ساعدنیوز: أصدرت إداره دونالد ترامب فی خطوه مثیره للجدل مجموعه من الوثائق المصنفه المتعلقه بحیاه ونشاطات مارتن لوثر کینغ الابن، رغم المعارضه الصریحه من عائلته. وتُظهر هذه الوثائق، التی تعود فی معظمها إلى التنصتات التی نفذها مکتب التحقیقات الفیدرالی (FBI) فی ستینیات القرن الماضی، جوانب مظلمه وغامضه من حقبه نضال الحقوق المدنیه فی أمریکا.
وفقاً لتقریر من موقع ساعد نیوز نقلاً عن فرانس 24، أعاد نشر وثائق سریه تتعلق بمارتن لوثر کینغ الابن، زعیم حرکه الحقوق المدنیه فی أمریکا، أحد أکثر الملفات التاریخیه حساسیه فی الولایات المتحده إلى صداره الأخبار مره أخرى. ففی حین طالبت عائله الدکتور کینغ بوقف نشر هذه الوثائق، قامت إداره ترامب بإتاحتها للعامه استناداً إلى قانون شفافیه الأرشیفات الوطنیه؛ وهو إجراء أثار ردود فعل واسعه فی الأوساط السیاسیه والإعلامیه وحقوق الإنسان.
تعود غالبیه هذه الوثائق إلى تقاریر سریه لمکتب التحقیقات الفیدرالی فی عهد جی. إدغار هوفر، الذی کان یسعى باستمرار لتقویض مصداقیه مارتن لوثر کینغ. وتشمل بعض الوثائق تسجیلات صوتیه للتنصت، ملاحظات شخصیه لوکلاء، وتحلیلات لسلوکیاته الخاصه والسیاسیه. وتطرح بعض هذه الوثائق ادعاءات حول علاقات خارج إطار الزواج أو ارتباطات شیوعیه — وهی ادعاءات اعتبرتها العائله والمؤرخون والنشطاء الحقوقیون لعقود «حمله منظمه لتشویه الشخصیه».
والأمر المهم أن محتوى هذه الوثائق لم یُثبت قط فی المحاکم أو من قبل أی جهه مستقله، ویُنظر إلیها قانونیاً وتاریخیاً على أنها تعکس فقط وجهه نظر أجهزه الأمن فی فتره الحرب البارده.
عبرت عائله مارتن لوثر کینغ الابن عن معارضتها الشدیده لنشر هذه الوثائق. حیث أعلنت ابنته، برینیس کینغ، فی بیان رسمی: «إن هذا الإجراء لا یمثل فقط إهانه لوالدی وتراثه، بل هو استغلال سیاسی لتاریخ السود فی أمریکا.» وأکدت أن هذه الوثائق نُشرت فی وقت تحتاج فیه المجتمع الأمریکی أکثر من أی وقت مضى إلى الوحده لا إلى الفرقه.
یرى المحللون أن هذا الرفض العائلی یشکک فی الشرعیه الأخلاقیه لقرار إداره ترامب، خاصه فی ظل الظروف التی قد یعید فیها هذا الإجراء إنتاج الروایات التحطیمیه تجاه قاده العداله الاجتماعیه فی التاریخ.
واحد من الأسئله المحوریه هو لماذا اختارت إداره ترامب هذا التوقیت بالذات لنشر هذه الوثائق. یعتقد بعض المراقبین أن هذا الإجراء قد یکون محاوله لصرف انتباه الرأی العام عن أزمات داخلیه تواجهها الحکومه مثل الانقسامات العرقیه، الاحتجاجات فی الشوارع، أو حتى المنافسات الانتخابیه.
ویرى فریق آخر أن هذا القرار هو جزء من مشروع أوسع لإعاده کتابه تاریخ أمریکا؛ محاوله للحد من تأثیر رموز مثل مارتن لوثر کینغ الذین یُلهمون الیوم حرکات مثل «حیاه السود مهمه» (Black Lives Matter).
واجه نشر هذه الوثائق ردود فعل فوریه من منظمات حقوق الإنسان. حیث أعلنت «الاتحاد الأمریکی للحریات المدنیه» (ACLU) فی بیان: «هذه الوثائق لا تکشف الحقیقه التاریخیه، ولا تسهم فی الشفافیه، بل هی تکرار لنفس السردیات العنصریه التی استخدمت فی عهد هوفر ضد الناشطین السود.»
وحذر بعض المؤرخین أیضاً من ضروره قراءه هذه الوثائق بدقه، وبأخذ السیاق بعین الاعتبار وبنظره نقدیه. وقال «تایلور براون» أستاذ التاریخ المعاصر فی جامعه هارفارد: «بدون التحلیل السیاقی، یمکن أن تتحول هذه الوثائق إلى أداه لتشویه التاریخ وتشویه سمعه الشخصیات التاریخیه.»
یُعتبر مارتن لوثر کینغ رمزاً للنضال السلمی ضد التمییز العنصری؛ شخصیه أثرى بحدیثه التاریخی «لدی حلم» (I Have a Dream) قلوب الملایین حول العالم. تجلى إرثه فی قانون الحقوق المدنیه لعام 1964 وقانون حق التصویت لعام 1965، مما مهد الطریق للنضالات العدلیه للأجیال القادمه.
حتى لو کانت الادعاءات الوارده فی الوثائق صحیحه، فإن الأهمیه التاریخیه والأخلاقیه لأفعال الدکتور کینغ تفوق بکثیر حیاته الشخصیه أو التقاریر المشبوهه من أجهزه الأمن. وتُظهر التعاطف الواسع مع عائلته أن جزءاً کبیراً من المجتمع الأمریکی یعرفه لیس من خلال الروایات التجسسیه، بل من خلال مبادئه الساعیه للعداله.
أعاد نشر الوثائق المثیره للجدل ضد مارتن لوثر کینغ طرح السؤال: من یملک حق سرد التاریخ؟ هل یحق للحکومات إعاده تعریف الرموز الوطنیه استناداً إلى وثائق أمنیه؟ أم أن هذه مسؤولیه المؤسسات المستقله، الأکادیمیین، والضمیر الجمعی للحفاظ على التاریخ وتحلیله؟
فی النهایه، ما یبقى فی ذاکره الشعوب لیس تنصتات الـ«إف بی آی»، بل الکلمات والأفعال التی مهدت درب العداله والحریه — ومارتن لوثر کینغ، بلا شک، واحد من أروع هذه الدروب.