ساعدنیوز: مع تزاید أعداد الضحایا فی قطاع غزه، أعلنت وزاره الصحه الفلسطینیه أن ما لا یقل عن 1000 شخص لقوا حتفهم خلال محاولاتهم الحصول على المساعدات الغذائیه. وفی الوقت ذاته، أدانت الدول الغربیه بشده سیاسه إسرائیل المتعلقه بإرسال المساعدات الإنسانیه بشکل محدود و«متقطّع».
بحسب تقریر موقع ساعدنیوز نقلاً عن سی إن إن، وصلت الأوضاع الإنسانیه فی قطاع غزه إلى مرحله دفعت حتى الدول الغربیه التی تقف عاده إلى جانب إسرائیل إلى انتقاد أداء تل أبیب. وتشیر التقاریر إلى أن أکثر من 1000 فلسطینی فقدوا حیاتهم حتى الآن خلال محاولاتهم الحصول على المساعدات الغذائیه والإنسانیه؛ موتٌ لم یکن فی ساحه المعرکه، بل فی طوابیر توزیع الطحین والماء والدواء.
فی الأشهر الأخیره، لا سیما بعد تصاعد الضغوط العالمیه لإنهاء الأزمه الإنسانیه فی غزه، سمحت إسرائیل بدخول المساعدات الإنسانیه، ولکن لیس بشکل واسع، وإنما بطریقه تُعرف بـ«التقطیر». هذا النهج، الذی یتسم بالدخول المحدود والمراقب للمساعدات، أدى عملیاً إلى زیاده التنافس والفوضى، ومن ثم إلى ارتفاع الخسائر البشریه.
وقد حذرت الأمم المتحده والصلیب الأحمر والعدید من المنظمات الدولیه مراراً من عدم کفایه حجم المساعدات. والآن، مع وفاه آلاف الفلسطینیین بسبب الجوع والأمراض ومحاولاتهم الوصول إلى هذه المساعدات، أصبحت هذه التحذیرات حقیقه ملموسه.
دول مثل فرنسا وألمانیا وکندا وحتى بریطانیا، التی کانت دائماً تدافع عن تل أبیب فی المحافل الدولیه، انتقدت هذه المره سیاسات تقدیم المساعدات الإسرائیلیه بنبره أشد حده. وصرح وزاره الخارجیه الفرنسیه فی بیان بأن «الإرسال المحدود والمراقب للمساعدات لا یساعد فقط فی تخفیف الأزمه، بل هو فی الواقع استمرار للمأساه الإنسانیه».
فی حین أن الولایات المتحده قد شککت ضمنیاً فی سیاسه إسرائیل، تزداد الضغوط الداخلیه على إداره بایدن لاتخاذ موقف أکثر وضوحاً. وفی الکونغرس، طالب عدد من النواب الدیمقراطیین والجمهوریین بـ«إعاده النظر فی الدعم العسکری والسیاسی لتل أبیب».
رداً على هذه الانتقادات، زعم المسؤولون الإسرائیلیون أنهم سهلوا دخول المساعدات، لکن العوامل المیدانیه، بما فی ذلک وجود الجماعات المسلحه وانعدام الأمن، منعت التوزیع السلیم لهذه المواد. کما ادعوا أن بعض الشحنات الإنسانیه تم الاستیلاء علیها من قبل الجماعات المسلحه، وهو أمر لم تؤکده المنظمات الإغاثیه.
ومع ذلک، تُظهر الصور ومقاطع الفیدیو التی نشرتها وسائل الإعلام العالمیه بوضوح الحاله المأساویه للسکان المدنیین فی غزه؛ طوابیر طویله، أطفال جیاع، مرضى بلا أدویه، وجثث ملقاه على الأرض.
أعلنت منظمه الصحه العالمیه أن النظام الصحی فی غزه قد انهار تقریباً، وأن أکثر من 70% من المستشفیات خارج الخدمه. کما حذرت وکاله الأمم المتحده لإغاثه وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین (الأونروا) من أننا أمام «إباده صامته» إذا استمر الوضع على ما هو علیه.
عدد القتلى المدنیین، لا سیما من النساء والأطفال، فی تزاید حاد، فی وقت لم تعد فیه الرأی العام العالمی، خاصه فی الدول الغربیه، یقتنع بالسردیات الرسمیه الإسرائیلیه. وتُظهر الاحتجاجات الواسعه فی عواصم أوروبا ضد استمرار الأزمه فی غزه أن صبر العالم على وشک النفاد.
حالیاً، لا توجد مؤشرات جدیه على تغییر نهج إسرائیل. تواصل حکومه نتنیاهو تأجیل أو تقیید دخول المساعدات الإنسانیه بشکل واسع، مع الترکیز على «الأمن القومی» و«منع تقویه حرکه حماس». هذه السیاسه لا تزید فقط من تفاقم الأزمه الإنسانیه، بل تزید أیضاً من احتمال توسع الاحتجاجات العالمیه والضغوط السیاسیه ضد إسرائیل.
یعتقد بعض المحللین أن إسرائیل تستخدم «سیاسه المساعدات القطره» کوسیله للضغط النفسی والتفریغ الاجتماعی لسکان غزه؛ استراتیجیه تُعد مثالاً واضحاً على العقاب الجماعی، والتی تتعارض بوضوح مع مبادئ القانون الدولی واتفاقیه جنیف.
ردود الفعل الغربیه الأخیره على تصرفات إسرائیل قد تؤثر على المدى البعید فی العلاقات الاستراتیجیه لتل أبیب مع حلفائها. الرأی العام، الإعلام الحر، ومنظمات حقوق الإنسان فی الدول الغربیه تمارس الآن ضغوطاً کبیره على الحکومات لإعاده النظر فی الدعم غیر المشروط لإسرائیل.
فی الولایات المتحده أیضاً، من المتوقع أن تتحول السیاسه الخارجیه والنظره إلى الشرق الأوسط إلى محور رئیسی فی الانتخابات الرئاسیه القادمه. یسعى بایدن إلى إیجاد توازن بین الالتزامات التقلیدیه لواشنطن تجاه إسرائیل والضغوط الداخلیه الناتجه عن الأزمه الإنسانیه، وهی مهمه تزداد صعوبه یوماً بعد یوم.
موت آلاف الأشخاص فقط فی طریقهم للحصول على المساعده یشکل إنذاراً أخلاقیاً وإنسانیاً للعالم. غزه لم تعد مجرد أزمه إقلیمیه، بل أصبحت مرآه للضمیر العالمی. إذا لم تستطع الدول الغربیه تغییر سیاسه إسرائیل أو على الأقل منع استمرار هذه المأساه، فإن شرعیتها الأخلاقیه ستکون موضع تساؤل.
ربما حان الوقت الآن أکثر من أی وقت مضى لکی یقف المجتمع الدولی، متجاوزاً المصالح الجیوسیاسیه، للدفاع عن الإنسانیه — قبل فوات الأوان.
