ساعدنیوز: أکد قائد الثوره فی إیران على ضروره الإصلاح والتضامن الوطنی، مع تحذیر من استغلال بعض القوى السیاسیه لکلماته لتعزیز نفوذها، داعیًا إلى مشارکه عادله وشامله لضمان استقرار البلاد وتنفیذ الإصلاحات بفعالیه.
وفقًا لتقریر منصه «ساعد نیوز» نقلاً عن «عصر إیران»؛
قدّم قادر باستانی تبریزی - فی تصریحاته الصریحه والمستنیره خلال اللقاء الأخیر مع مسؤولی السلطه القضائیه - تأکیدًا جدیدًا على ضروره الإصلاح والعداله والتضامن الوطنی. ولکن ما یکتسب أهمیه فائقه هو کیفیه تعامل القوى السیاسیه مع هذه الرسائل، حیث إن بعض التیارات تحوّل هذه التصریحات إلى أدوات لتعزیز السلطه واستبعاد المنافسین من خلال تفسیراتها الخاصه. هذا الوضع یضع على عاتق جمیع المؤسسات والمجتمع المدنی مسؤولیه کبیره للبحث عن طریق متعاون وعادل یُمکّن من المشارکه الحقیقیه وإعاده بناء الثقه الوطنیه.
إذا کان المسار المرسوم سیؤدی إلى نتائج ملموسه ومستدامه، فمن الضروری أن یتم تشکیل هیکل فعّال وقوی ومسؤول بقیاده الزعامه لمتابعه وتنفیذ هذه الإصلاحات عملیًا. وإلا، فستبقى هذه التصریحات مجرد توصیات وتنبیهات کما فی السابق، فی حین أن الظروف المعقده والحرجه التی تمر بها البلاد الیوم لم تعد تحتمل المزید من التکرار والتأجیل.
السؤال الرئیسی هو: لماذا تواصل بعض القوى السیاسیه، بدلاً من الانسجام مع هذه الرؤیه، دق طبول الاستقطاب؟ ولماذا تسرق تصریحات القائد لتخدم مصالحها المعتاده؟ إن الإجابه على هذا السؤال تتطلب دراسه أعمق للسلوک السیاسی والمنطق الخفی الذی تحکم به هذه التیارات.
تعتبر هذه الفئه نفسها المفسر الحصری لأقوال القائد، وکلما أدلى الأخیر بموقف واضح، تُسرع فی تفسیره بما یتوافق مع أهوائها السیاسیه. لماذا تفعل ذلک؟ لأن أی مؤشر على إصلاح مسار الحکم بعد عام 1384 هـ.ش (2005 م) یدفعهم إلى الهامش وأحیانًا یجعلهم مسؤولین عن أدائهم السابق. لا ینبغی الاستخفاف بهذا الخوف والقلق.
حتى وإن کانت هذه المجموعه أقلیه، فلا بد من الاعتراف بوجودها، لیس من باب قبول شرعیتها الحصریه، بل لأن البنیه السیاسیه والاجتماعیه فی إیران لا یمکن أن تستقر أو تزدهر إلا بمشارکه متوازنه لکل التیارات حسب وزنها الحقیقی فی المجتمع. الحل لیس فی إقصاء أحد، بل فی إیجاد آلیه تسمح بسماع الأصوات المختلفه وتنظیم المشارکه السیاسیه بشکل منهجی وعادل.
هذه النقاط لا تعنی بأی حال من الأحوال إقصاء هذا التیار السیاسی، بل على العکس تمامًا، یجب تصمیم آلیه تتیح لجمیع الأوزان الاجتماعیه والسیاسیه والفکریه فرصه الحضور فی الحیاه الوطنیه وسماع أصواتهم. تحقیق هذا الهدف یتطلب شرطین أساسیین: أولاً، ترکیز السلطه القضائیه على تطبیق القانون بحیادیه والامتناع عن الدخول فی النزاعات الحزبیه، لأنه لا یمکن فی ظل استقلال ونزاهه الجهاز القضائی توفیر أجواء الثقه العامه وأرضیه الحوار الوطنی؛ وثانیًا، قبول العمل القانونی للإعلام والجمعیات والنقابات والهیئات السیاسیه المتنوعه، طالما أنهم ملتزمون بسیاده الأراضی والأمن الوطنی والأطر القانونیه، حتى وإن کانوا منتقدین أو مطالبین بإصلاح النظام القائم. فقط فی هذا الإطار یمکن للمجتمع الإیرانی المتعدد الأوجه أن یتجه نحو مشارکه ذات مغزى وحلول واقعیه لمشاکله المعقده.
وفی هذا السیاق، تقع مسؤولیه مهمه على عاتق المجتمع المدنی. فلا یمکن للمثقفین والناشطین النقابیین والمتخصصین والسیاسیین أن یبقوا سلبیین أو معزولین أمام الوضع الراهن، بل یجب علیهم بتعاون مشترک تمهید الطریق لتشکیل منتدیات حوار وطنی. أولاً من أجل الوصول إلى فهم واقعی مشترک للوضع المتعدد الأبعاد والمعقد الذی تعیشه إیران الیوم، ثم لتصمیم تحالفات شامله ومتنوعه قادره على تقدیم حلول عملیه وتدریجیه ومتوافقه مع الظروف الواقعیه للبلاد للأزمات الاقتصادیه والاجتماعیه والبیئیه ومشکلات الحکم. ولن یکون تجاوز الوضع الحالی ممکنًا إلا عبر المشارکه الجماعیه والمسؤوله، ولیس من خلال الإقصاء والصراع.
وفی الختام، یمکن لکلمات القائد فی 25 تموز أن تصبح نقطه تحول فی مسار إعاده بناء الثقه والتماسک الوطنی، لکن هذه الإمکانیه تتحقق فقط إذا اعتبرت جمیع التیارات هذه الکلمات لیس أداه لإقصاء الخصم، بل أساسًا لإحیاء جماعی وتقویه التضامن الوطنی. وإذا رفضت القوى السیاسیه والمؤسسات المسؤوله الالتزام العملی بهذا المسار، فإن خطر تعمیق الانقسامات الاجتماعیه، وانتشار فقدان الثقه العامه، وتآکل رأس المال الاجتماعی، سیهدد البلاد أکثر من أی وقت مضى.