ساعدنیوز: العملیه العسکریه الإسرائیلیه ضد إیران لم تُحسّن فقط آفاق تطبیع العلاقات مع السعودیه وباقی الدول العربیه، بل أدت إلى زیاده الفجوه والاستیاء لدى هذه الدول من تل أبیب.
ذکرت الخدمه السیاسیه لموقع ساعدنیوز الإخباری التحلیلی، نقلاً عن صحیفه هآرتس، أن تدخل بنیامین نتنیاهو، رئیس وزراء إسرائیل، بشکل مباشر فی المواجهه مع إیران، قد غیّر معادلات منطقه الشرق الأوسط بشکل غیر مسبوق وخلق مستقبلاً غامضاً. ومع ذلک، فإن النقطه التی لم تتغیر هی إصرار نتنیاهو على روایته التی تؤکد أن إسرائیل قادره على القتال فی عده جبهات فی وقت واحد، وفی نفس الوقت تواصل طریق تطبیع العلاقات الدبلوماسیه بقوه. وقد وعد مراراً بأنه بعد هذه المواجهه العسکریه، سینجح فی إدراج المملکه العربیه السعودیه ضمن قائمه الدول التی تربطها علاقات رسمیه مع إسرائیل.
مشروع "الشرق الأوسط الجدید" لنتنیاهو؛ حلم القوه أم وهم النصر؟
بعد انتهاء العملیه العسکریه ضد إیران، ادعى بنیامین نتنیاهو على منصه التواصل الاجتماعی إکس أن "انتصار إسرائیل یفتح آفاقاً جدیده لتوسیع اتفاقیات السلام فی المنطقه". ومن وجهه نظره، فإن السعودیین لم یدخلوا فی سلام مع إسرائیل حتى الآن إلا بسبب خشیتهم من رد فعل محور المقاومه بقیاده إیران. ویعتقد نتنیاهو أن الحرب الأخیره مع طهران قد أزالت آخر حاجز فی طریق مشروع "الشرق الأوسط الجدید". والدافع من وراء هذه الروایه للجمهور الإسرائیلی واضح تماماً: یحاول نتنیاهو، فی أجواء الانتخابات، تصویر نفسه کمهندس النظام الجدید وبطل الاستقرار الإقلیمی؛ زعیم قوی جعل إسرائیل محور الدبلوماسیه فی الشرق الأوسط وأسس شبکه واسعه من العلاقات مع الفاعلین الرئیسیین فی المنطقه.
لکن فی المقابل، هناک فهم مختلف تماماً من جانب المملکه العربیه السعودیه، حیث یکمن الخلاف الأساسی فی تعارض المصالح بین الطرفین. لا تزال إسرائیل متمسکه بحلم إعاده ترتیب النظام الإقلیمی على أساس قوتها العسکریه، فی حین تؤکد السعودیه على ضروره وقف إطلاق النار والعوده إلى الوضع السابق. ویجعل إصرار نتنیاهو على تحقیق "نصر کامل" على حماس وإیران المفاوضات والتفاعلات الإقلیمیه لإسرائیل فی مأزق. لا تزال السلطات السعودیه مستاءه من تصریحات نتنیاهو فی شتاء العام الماضی التی اقترح فیها أن الفلسطینیین یمکنهم إقامه دولتهم فی أراضی السعودیه، خاصه بعد أن ادعى نتنیاهو لاحقاً أن عملیه التطبیع مع الریاض قد بدأت رسمیاً، وهو ادعاء أشعل استیاء السعودیین أکثر.
على الجانب الآخر من الأحداث، أدت حروب نتنیاهو المستمره إلى أن بعض الدول التی انضمت لاتفاقیات إبراهیم بأمل تحقیق السلام، باتت الآن تتحدث سراً عن خیبه الأمل وفشل تحقیق طموحاتها. السودان یسعى لاستئناف علاقاته مع طهران؛ البحرین لم ترسل سفیراً إلى تل أبیب منذ السابع من أکتوبر، وحتى الإمارات العربیه المتحده التی کانت دوماً تدعم الجبهه المناهضه لحماس، أدانت هجمات إسرائیل على إیران وأظهرت، إلى جانب السعودیه وقطر، معارضه واضحه لتدخل أمریکا المباشر فی الحرب.
أنور قرقاش، أحد أبرز وجوه السیاسه الخارجیه فی الإمارات، کتب على حسابه فی إکس بعد أیام قلیله من بدء الهجوم الإسرائیلی: "هجوم إسرائیل على إیران واستمرار هذه المواجهه نقطه تحول ستترک آثاراً عمیقه على کلا البلدین والمنطقه بأسرها". وبعد إعلان وقف إطلاق النار أکد: "دول مجلس التعاون الخلیجی اتخذت موقفاً حازماً فی معارضه الحرب بین إسرائیل وإیران، وبذلت جهوداً فی جمیع المحافل الدولیه لکبح التصعید والوصول إلى حل سیاسی."
نهایه دور إسرائیل کـ"حارس أمن المنطقه"؛ لماذا اتجه الخلیج إلى الدبلوماسیه؟
کل هذه الأحداث هزت بشده أسس الروایه التی یحاول نتنیاهو بقوه ربط تطبیع العلاقات بانتصار عسکری لإسرائیل على الجمهوریه الإسلامیه. سابقاً، کانت مصالح إسرائیل والدول العربیه فی الخلیج، لا سیما السعودیه والإمارات والبحرین، متوافقه حول محوریه مواجهه تهدید إیران وتصویر إسرائیل کـ"حارس أمن المنطقه"؛ مسار کان نتنیاهو یسعى من خلاله لإقناع العالم بأنه یمکن أن یقف نیابه عن دول أخرى فی وجه خطوات طهران المزعزعه للاستقرار.
لکن هذا المعادله کانت حین لم یکن هناک اتفاق بین الریاض وطهران، ولم تفتح إسرائیل جبهه مدمره فی غزه ولم توسع نطاق الحرب حتى حدودها. والیوم، بعدما أرسلت إسرائیل قاذفاتها إلى إیران، ترى حکومات الخلیج أن الدبلوماسیه أکثر فاعلیه وأقل تکلفه بکثیر من أی مواجهه عسکریه مع الجمهوریه الإسلامیه، وهی استراتیجیه تظهر أکثر من أی وقت مضى فی المیدان.
على الجانب الآخر، جمهور هذه الدول أصبح، مقارنه بالماضی، أکثر صدمه وغضباً من قتل المدنیین فی غزه وباقی المناطق. وسائل الإعلام السعودیه تهاجم سیاسات إسرائیل ونتنیاهو بحده متزایده، وانتقاداتها لم تتراجع مع بدء الهجمات الإسرائیلیه على إیران، بل تعمقت القناعه فی الرأی العام السعودی بأن المصدر الأساسی لعدم الاستقرار هو نتنیاهو وسیاساته. هذه التطورات تعکس تقویه جبهه الرأی العام والنخب العربیه ضد مواقف تل أبیب.
فی هذا السیاق، لم تسمح السعودیه إطلاقاً باستخدام مجالها الجوی لطائرات إسرائیلیه وأمریکیه للهجوم على إیران. هذا الموقف یفسر أیضاً سبب اتصال محمد بن سلمان، ولی العهد السعودی، بمسعود طبیبیان فور إعلان وقف إطلاق النار، حیث أکد الطرفان مجدداً على استمرار سیاسه خفض التوتر بین الریاض وطهران.
فی النهایه، ترفض الدول العربیه فی محیط الخلیج، خاصه السعودیه، بشده استمرار النزاعات، بینما یصر نتنیاهو على مواصله الحرب، والنتیجه هی ابتعاد الشرکاء المحتملین عن مشروع تطبیع العلاقات مع إسرائیل. بعباره أخرى، "کلب الحراسه" خرج عن السیطره.
تحذیر السعودیه لإسرائیل: استمعوا جیداً أو لن یتحقق التطبیع
واحده من الأخطاء الاستراتیجیه الأخرى لإسرائیل هی النهج الذی اتبعه نتنیاهو، الذی زعم مراراً أن عرض التطبیع هو فی الحقیقه تقدیم تنازلات للعالم العربی. وزیر المالیه الإسرائیلی بتسلئیل سموتریتش کرر هذا الادعاء مؤخراً فی مقال مطول على منصه إکس، زاعماً أن الدول العربیه ستستفید أکثر من التطبیع وبالتالی لا ینبغی أن تطلب أی مطالب من إسرائیل.
هذا الموقف تم رفضه بشکل صریح ومتکرر من قبل الدول العربیه فی الخلیج، خاصه السعودیه. من وجهه نظر الریاض، التطبیع لیس تنازلاً مجانیاً ولا ضروره للسعودیین، بل یطرح فقط عندما تکون إسرائیل مستعده لمنح تنازلات محدده وملموسه. هذا المبدأ تکرر فی "مبادره السلام العربیه" لعام 2002: إقامه علاقات طبیعیه مع إسرائیل ممکن فقط إذا عادت إلى حدود ما قبل 1967 وقدمت حلاً عادلاً لقضیه اللاجئین الفلسطینیین. الإمارات أیضاً اتجهت نحو التطبیع بنفس المنطق فی 2020، رغم أن نتنیاهو وصف الاتفاق بـ"سلام مقابل سلام" ولیس "أرض مقابل سلام"، وزعم أن إسرائیل لم تدفع ثمناً لهذا الاتفاق.
ومع ذلک، لم تنجح أی من هذه المبادرات. "مبادره السلام العربیه" واجهت معارضه صریحه من نتنیاهو فی 2016، وقرار إسرائیل الأخیر ببناء 22 مستوطنه جدیده فی الضفه الغربیه یتعارض بشکل واضح مع إنذار الإمارات عام 2020 الذی قال: "إما الضم أو التطبیع".
هذا النهج زاد من استیاء الحکومات العربیه فی الخلیج. وقبل بدء الحرب مع إیران، طلب الأمیر ترکی الفیصل من المسؤولین الإسرائیلیین "أن یصلحوا سمعهم" ویعیروا اهتماماً جاداً لمطالب السعودیه. الرساله واضحه: التطبیع لیس مجانیاً والمنطقه تتوق إلى السلام والاستقرار، لا إلى حروب نتنیاهو التی لا تنتهی. وهذا هو السبب بالضبط الذی جعل الهجمات الإسرائیلیه اللاحقه على إیران لا تعزز احتمال التطبیع، بل تضعفه بشده. والواقع أن أی قرار من دول الخلیج بالتطبیع مع إسرائیل سیکون تکلفته على إسرائیل أثقل بکثیر مما تتوقع تل أبیب، إذا تم الاتفاق أصلاً.