لا تُملوا على المؤسسات العلیا قراراتها/ التفاوض أحد أوجه المواجهه مع العدو

بحسب ما أفاد به موقع «ساعد نیوز»، کتبت صحیفه «إیران»: الدبلوماسیه، وعلى رأس أدواتها التفاوض، وسیله لتحقیق المصالح الوطنیه للبلاد، کما هی القدرات الدفاعیه تماماً. وعلیه، فإن کلا الأمرین یُعدّان بمثابه جناحین ضروریین لتعزیز القوه الوطنیه وتحقیق المصلحه الوطنیه.

من الواضح أن الإضرار بأی من هذین الجناحین أو تجاهلهما، ولو بحجّه الدفاع عن الآخر، لا یصبّ فی صالح تعزیز القوه الوطنیه، بل یتعارض مع المصلحه الوطنیه، ویؤدی فی نهایه المطاف إلى تعبئه المجتمع والرأی العام وراء اصطفافات جدیده، مما یُضعف من تجلّی الإراده الجماعیه ویُقوّض التماسک الوطنی للإیرانیین.

الدبلوماسیه والتفاوض، فی إطار هدفهما المتمثل فی حمایه المصالح الوطنیه، لا یرتبطان بزمن محدد. وکما شهدنا فی تجربه الحرب التی استمرت 12 یوماً، فإن الدبلوماسیین الإیرانیین لم یتوقفوا عن أداء مهامهم خلال أوج الحرب، بل عملوا جنباً إلى جنب مع القوات المسلحه ولم یتقاعسوا أو یتخلّوا عن مسؤولیه حمایه المصالح الوطنیه. ولنا أن نتذکر أن أعظم الحروب، فی نهایه المطاف، انتهت بأدوات دبلوماسیه، کما حدث فی الحرب المفروضه التی استمرّت 8 سنوات من قبل النظام البعثی العراقی ضد إیران، حیث انتهت على طاوله التفاوض والدبلوماسیه.

ونظراً لأن عدم التزام الکیان الصهیونی بالقوانین والأنظمه الدولیه أمرٌ ثابت ومُبرهن علیه، فإن مقتضى العقل والسیاسه یُحتم على المسؤولین وواضعی السیاسات أن یتخذوا التدابیر اللازمه فی مختلف المجالات، بما فی ذلک تعزیز القدرات الدفاعیه والحفاظ على الوحده الوطنیه. کما أن لهذا الاستعداد بعداً خارجیاً تقوده السیاسه الخارجیه، بوصفها الجهه المعنیه بتنفیذ هذه السیاسات. ومن الطبیعی أن تقوم الدبلوماسیه على أساس مقتضیات وطنیه وإقلیمیه ودولیه، وفی إطار المصالح الوطنیه. فالمصالح الوطنیه هی التی تحدد شکل التعامل مع الولایات المتحده والملف النووی.

أما إصدار الأحکام العامه وفرض التوجیهات على صناع القرار، تحت أی مسمى أو ذریعه، أو التقلیل من شأن جهود الدبلوماسیین واعتبارها عدیمه الجدوى، فلن یُسهم فی حلّ أی مشکله، بل إنه یُضعف أحد الجناحین الأساسیین لتحقیق المصالح الوطنیه.

وقد شدّد سماحه قائد الثوره الإسلامیه، فی لقاء رمضانی مع مسؤولی الدوله بتاریخ 23 فروردین 1401 (12 أبریل 2022)، على ضروره تجنّب النظره السلبیه والملیئه بالشک تجاه المفاوضین الذین یقفون فی الخطوط الأمامیه، قائلاً: «لطالما أوصیت، وفی جمیع الحکومات، ألا تکون النظره تجاه أولئک الذین یعملون فی المیدان وفی الصفوف الأمامیه نظرهً متشائمه. هؤلاء أشخاص مؤمنون وثوریون ومجتهدون یعملون بجدّ فی هذا المجال؛ وإذا وُجّهت إلیهم أی انتقادات، فلتکن بحسن نیّه ولیس بسوء ظن، وألا تؤدی إلى إضعافهم أو إلى إضعاف أمل الناس بهم».

کما صرّح سماحته فی 12 أردیبهشت 1400 (2 مایو 2021) قائلاً: «السیاسه الخارجیه تُحدَّد فی جمیع دول العالم من قِبل الهیئات العلیا، ولیس فی وزاره الخارجیه. وزاره الخارجیه تُشارک فی صیاغه السیاسات لکنها لا تتخذ القرار، بل تنفذ ما یُقرره المجلس الأعلى للأمن القومی فی بلدنا، وهو الهیئه التی تحدد السیاسه الخارجیه بحضور کبار المسؤولین».

وعلیه، فإن اتخاذ القرارات فی الجمهوریه الإسلامیه یخضع لآلیات خاصه. ومن غیر المُرجّح أن تجهل المنابر التی أطلقت التصریحات الأخیره هذه الحقائق. وإذا کنا نؤمن بأن هذه المنظومه نفسها من صناعه القرار هی التی نجحت فی التصدی لعدوان الکیان الصهیونی وفرض وقف إطلاق النار علیه، فإن من الأجدر الابتعاد عن التحلیلات العاطفیه والسطحیه التی تُحدث الانقسام وتُثیر الشکوک، والتی تؤدی فی النهایه إلى خلق مطالب وهمیه فی الرأی العام وتُضعف الثقه بالمؤسسات العلیا.

إن إصدار التوجیهات للمؤسسات العلیا فی مجال السیاسه الخارجیه والدبلوماسیه لا ینسجم فقط مع توجیهات القائد والمؤسسات المعنیه، بل یُعدّ أیضاً خروجاً عن منطق العقل والسیاسه الواقعیه ویُضرّ بالمصالح الوطنیه. فإثاره الأزمات غیر الضروریه فی ظروف حساسه کهذه، لا تعنی سوى التنصل من المسؤولیه واللعب فی ملعب العدو، الذی یراهن تحدیداً على الانقسامات الداخلیه وانعدام الثقه بین الشعب وصنّاع القرار.

إن التفاوض، بوصفه أداه مؤثره من أدوات الدبلوماسیه، یجب أن ینبع من تقییمات دقیقه وشامله تُجریها المؤسسات المتخصصه والعلیا، وضمن إطار من العزّه والحکمه والمصلحه الوطنیه، لا من خلال تصورات ضیّقه أو أوهام خیالیه.

مواجهه الحرب المرکبه تتطلب استراتیجیات مرکبه؛ فالقوه الدفاعیه، والدبلوماسیه، والدور الإعلامی، وتأمین الاحتیاجات الأساسیه والمعیشیه... جمیعها تُشکل مجتمعهً الترتیب المناسب لمواجهه هذه الحرب المعقّده.