ساعدنیوز:بینما تواصل إسرائیل تدمیر مدینه غزه من البر والجو والبحر، یرفض أطباء مستشفى الشفاء التخلی عن مرضاهم. من تحت الأنقاض، حوّلوا ما تبقى من المبانی إلى أجنحه طوارئ، فی ملحمه إنسانیه جعلت المستشفى رمزًا للصمود والمقاومه.
تتقدم الدبابات الإسرائیلیه إلى قلب مدینه غزه. أحیاء بأکملها تُسوّى بالأرض، والسماء لا تهدأ من القصف. لکن وسط الدمار والدخان، لا یزال مبنى واحد یرفض الاستسلام: مستشفى الشفاء.
کان المستشفى یومًا ما أکبر مجمع طبی فی قطاع غزه. الیوم، لم یتبق منه سوى جدران متصدعه وغرف محطمه، لکن بداخله لا یزال الأطباء والممرضون یعملون بأدوات شبه معدومه. خیارهم الوحید: البقاء إلى جانب المرضى، حتى لو کان ذلک على حساب حیاتهم.
طبیبه أسترالیه تعمل متطوعه فی المستشفى وصفت المشهد بعباره واحده:
"کمیه الصمود التی رأیتها فی هؤلاء الأطباء لا تُصدق، إنهم أبطال حقیقیون."
داخل المبنى المنهار، تحولت غرفه عیاده مدمره إلى قسم طوارئ، بینما أُعید استخدام جناح جراحه مدمر کوحده عنایه مرکزه. الممرات مکتظه بالجرحى، والساحات الخارجیه تعج بالنازحین الذین لم یجدوا مأوى آخر.
وأضافت الطبیبه:
"بعد أسبوعین فقط هنا، لم نعد نستوعب کمّ الصدمات والمعاناه. لا أظن أن أی إنسان یمکن أن یحتمل ما نعیشه یومیًا."
فی قلب هذه الملحمه یقف الدکتور محمد أبو سلمیه، مدیر المستشفى.
اعتُقل لسبعه أشهر فی سجون الاحتلال بتهم لم تثبت عن "استخدام حماس لمستشفى الشفاء لأغراض عسکریه". خرج بلا تهمه، لکنه خرج محملًا بذکریات التعذیب والإهانه.
ومع ذلک، لم یکن السجن أقسى اختبار. قبل أیام، قصف الطیران الإسرائیلی منزل عائلته. قُتل شقیقه وزوجته وأطفالهما. أبو سلمیه شاهد أجساد أحبائه تُنقل إلى نفس المستشفى الذی یدیره.
ورغم ذلک، ما زال فی موقعه:
"فرقنا الطبیه تواصل مهمتها الإنسانیه تحت ضغط هائل. رسالتنا واضحه: نخدم المرضى والمصابین بأقصى ما نستطیع."
الشفاء لیس حاله استثنائیه. معظم مستشفیات غزه — من الإندونیسی شمالًا إلى ناصر فی خان یونس جنوبًا — تعرضت للحصار أو التدمیر.
الدکتور أحمد الفرا، مدیر قسم الأطفال فی مستشفى ناصر، قال:
"منذ بدایه الحرب، والاحتلال یستهدف الطواقم الطبیه. یعتقلون الأطباء، یقتلون عائلاتهم، وحتى سیارات الإسعاف لم تسلم."
منظمه الصحه العالمیه وثّقت عددًا قیاسیًا من العاملین الصحیین الذین قُتلوا خلال الحرب. سیارات الإسعاف دُمّرت. الممرضون أُطلق علیهم النار. تحوّل إنقاذ الأرواح إلى مخاطره یومیه بالحیاه.
داخل المستشفى، التحدی لا یقتصر على الجروح والقصف. المجاعه تفتک بالنازحین، والمیاه الملوثه تنشر الأوبئه.
یصف أحد الممرضین المشهد:
"نخیط الجروح بلا تخدیر. نشاهد أطفالًا یموتون من التهابات یمکن علاجها بسهوله فی أی مکان آخر. ومع ذلک، لا نفکر فی المغادره."
بالنسبه للفلسطینیین، لم یعد الشفاء مجرد مستشفى. إنه رمز للصمود. کل مره یُدمّر، یعود للعمل بشکل ما. کل مره یُحاصر، یظل یستقبل الجرحى.
إسرائیل من جانبها تکرر مزاعم "الاستخدام العسکری" لکن دون تقدیم أدله دامغه، فیما یرى الفلسطینیون أن الهدف الحقیقی هو تدمیر ما تبقى من منظومه الرعایه الصحیه فی القطاع.
الأمم المتحده حذرت من "جرائم حرب". منظمات مثل هیومن رایتس ووتش أدانت استهداف المستشفیات بشکل ممنهج. لکن رغم الإدانات، لم یتوقف الحصار.
المجتمع الدولی یبدو عاجزًا، بینما تُواصل الدول الغربیه تزوید إسرائیل بالسلاح. بالنسبه للأطباء فی غزه، الرساله واضحه: أنتم وحدکم.
ورغم کل شیء، هناک ما یشبه المعجزات الیومیه:
أطباء یتقاسمون طعامهم القلیل مع عائلات نازحه.
ممرضات یُغنین للأطفال لتخفیف رعب القصف.
متطوعون یخاطرون بحیاتهم لإدخال القلیل من الأدویه عبر طرق محفوفه بالموت.
أبو سلمیه، رغم فقدانه لعائلته، لا یزال یقود فریقه. بالنسبه له ولزملائه، البقاء فی الشفاء لیس خیارًا طبیًا فقط — إنه فعل مقاومه.
کما قال الدکتور أحمد الفرا:
"إذا کنت فی غزه، فأنت تُقتل بکل طریقه ممکنه."
لکن وسط هذا الموت، یرسل الشفاء رساله مختلفه: لن نترک المرضى.
هکذا تحوّل الطب فی غزه من مهنه إلى مقاومه، ومن مستشفى إلى رمز. وبینما تُسحق المدینه تحت القصف، یظل الشفاء شاهدًا على إنسانیه لا یمکن محوها.