ساعدنیوز: فی وقتٍ یقف فیه العالم شاهدًا على أزمه إنسانیه غیر مسبوقه فی غزه، حذّرت الأمم المتحده بشکل صریح من أن المساعدات الجویه والنماذج المحدوده للإغاثه لا تُشکل بلسمًا لجراح السکان، بل تُعدّ انحرافًا عن الحقائق الکارثیه وتغطیه على الفشل الأخلاقی فی مواجهه الجوع والموت.
وفقًا لـساعدنیوز ، فی ظل تفاقم الأزمه الإنسانیه فی غزه یومًا بعد یوم، حذّرت الأمم المتحده من أن المساعدات الجویه لسکان القطاع لا تُعدّ حلاً مستدامًا لتزاید الجوع، بل تُشکّل مجرد "تشتیت للانتباه" یهدف إلى صرف أنظار الرأی العام عن کارثه أوسع نطاقًا. وأکد فیلیپ لازارینی، المفوّض العام لوکاله الأمم المتحده لإغاثه وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین (الأونروا)، فی تصریح غیر مسبوق، أن هذا النوع من الإغاثه یشبه أکثر ما یکون عرضًا رمزیًا، لا إجراءً فعّالًا لإنقاذ الأرواح. وبرأیه، فإن المجتمع الدولی، من خلال اتخاذ خطوات دنیا تحمل طابعًا دعائیًا فقط، إنما یخفی تقصیره فی تحمّل مسؤولیته تجاه کارثه إنسانیه کبرى.
استنادًا إلى الإحصاءات الرسمیه، یواجه أکثر من 2.2 ملیون شخص فی غزه درجات متفاوته من انعدام الأمن الغذائی، وقد بلغ الوضع فی العدید من مناطق شمال القطاع حد المجاعه. وقد توفی عدد کبیر من الأطفال بسبب سوء التغذیه، فیما یحتاج آلاف آخرون إلى علاج فوری وعاجل. إن إیصال المساعدات البریه بطیء جدًا ومجزأ بسبب القیود العسکریه والسیاسیه المفروضه. وفی ظل هذه الظروف، فإن إسقاط الطرود الغذائیه من الجو لا یُعد فقط غیر کافٍ، بل کان فی بعض الحالات خطیرًا؛ حیث وردت تقاریر عن مقتل مدنیین أثناء محاولتهم الوصول إلى تلک الطرود، مما یسلّط الضوء على عدم فعالیه هذه الطریقه.
وفی هذا السیاق، قامت جهات مثل مؤسسه GHF، بدعم سیاسی من بعض الدول مثل الولایات المتحده، بتوزیع المساعدات فی نقاط محدوده فی جنوب غزه. وقد تعرض هذا النمط لانتقادات شدیده من قبل المنظمات الدولیه، لأنه لا یغطی الفئات الأکثر تضررًا، ویسهم فی ترکیز السکان فی مناطق محدده، مما أدى إلى تفاقم الأزمات، وظهور حالات ازدحام شدیده، بل وحتى حوادث إطلاق نار أثناء الاصطفاف لتلقی المساعدات. ویُضطر کثیر من السکان إلى المشی لمسافات طویله على أمل الحصول على کمیه ضئیله من الطعام، دون وجود ضمان بوصولهم أو حصولهم على المساعده. ویؤکد لازارینی أن هذا الوضع یُشبه "الفخ الإنسانی" أکثر مما یشبه عملیه إغاثیه حقیقیه.
کما تناولت منظمات حقوق الإنسان المسأله بلهجه أکثر وضوحًا، مشیره إلى أن الحرمان المنهجی لسکان غزه من الغذاء والماء والدواء یُستخدم کأداه سیاسیه. وقد حذّرت کل من هیومن رایتس ووتش، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحده، وخبراء فی القانون الدولی، مرارًا من أن استخدام الجوع کسلاح یمکن أن یُصنّف کجریمه حرب بل وحتى کجریمه إباده جماعیه. وتأتی هذه التحذیرات فی وقت لا تزال فیه معظم المعابر مغلقه، ویُمنع وصول المنظمات الإنسانیه إلى المناطق الأکثر تضررًا بشکل کبیر.
ولم یعد موضوع الإغاثه فی غزه مسأله فنیه أو لوجستیه فحسب، بل أصبح قضیه سیاسیه وأخلاقیه وقانونیه بالکامل. فصمت الدول المؤثره أو تقاعسها، حتى وإن رافقته مساعدات رمزیه، لا یُمکن أن یُهدّئ من الضمیر العالمی. ویرى العدید من المراقبین أن المجتمع الدولی، من خلال تبنیه نماذج إغاثیه غیر فعاله واستعراضیه، قد تنصل من مسؤولیته، ولا یعمل إلا على إداره مظهر الأزمه دون معالجه جوهرها.
ومن منظور الأمم المتحده، فإن الحل الحقیقی یمر عبر فتح کامل ودائم للمعابر البریه، ورفع القیود الأمنیه المفروضه على المنظمات الإنسانیه، وتوسیع التمویل المخصص للأونروا، وضمان استقلالیه المساعدات عن أی تدخل سیاسی. وبدون هذه الإصلاحات الجذریه، فإن الأزمه الإنسانیه فی غزه ستدخل مرحله لا یمکن السیطره علیها. وتُعدّ تصریحات لازارینی بمثابه تحذیر من فشل النموذج الحالی للإغاثه، وناقوس خطر للمجتمع الدولی، الذی إن لم یتحرک الیوم، فسیجد نفسه غدًا مجرد شاهد على انهیار کامل لمجتمع إنسانی بأسره.