ساعدنیوز: فرضت الولایات المتحده شروطًا مثل تقلیص مدى الصواریخ الإیرانیه، وقطع الصله بمحور المقاومه، ووقف دعم حزب الله والحشد الشعبی، وهی مطالب ترفضها طهران، خصوصًا بعد الهجمات الأمیرکیه على منشآتها النوویه دون أی ضمانات لعدم تکرار العدوان.
قال أمین المجلس الأعلى للأمن القومی: إن أمریکا لا ترى فی طاوله المفاوضات ساحهً للدبلوماسیه والحوار الثنائی، بل فضاءً للحصول على مزید من الامتیازات، وهی فی الواقع تسعى أکثر إلى صفقه رابح – خاسر لصالحها على طاوله المفاوضات، بدلاً من الالتزام بمبادئ الدبلوماسیه.
وبحسب فرهیختغان، فإن إیران تسعى لمفاوضات عقلانیه، لکن الأمریکیین ینظرون إلى المفاوضات کطاوله لانتزاع المزید من الامتیازات ولکن بلغه دبلوماسیه. وفی ظل الأجواء السیاسیه الداخلیه فی البلاد، یصرّ بعض التیارات باستمرار على أن إیران یجب أن تضع التفاوض والاتفاق مع أمریکا على جدول أعمالها لمنع اندلاع حرب جدیده، حتى ولو على حساب تعلیق البرنامج النووی الإیرانی.
کنا نسعى إلى المفاوضات
لقد أبقت إیران باب الدبلوماسیه مفتوحًا، وکانت تُعد لجوله جدیده من المفاوضات فی یونیو، عندما انتهک الصهاینه أجواء إیران، ثم دخل الأمریکیون مباشرهً فی هذا العدوان السافر واستهدفوا المنشآت النوویه الإیرانیه. لقد أحرق الأمریکیون بأنفسهم طاوله المفاوضات وضیّقوا طریق الدبلوماسیه. لکن بعد أن اضطر الصهاینه إلى قبول وقف إطلاق النار، عاد الأمریکیون وأکدوا مجددًا أن على إیران الجلوس إلى طاوله المفاوضات، کما أن الأوروبیین سعوا أیضًا عبر تهدید آلیه الزناد إلى جرّ إیران إلى المفاوضات.
لکن الحقیقه هی أن الدبلوماسیه استُخدمت لمنع اندلاع الحرب. والآن، بعد أن وقع هذا العدوان ونفّذت أمریکا تهدیداتها، تغیّرت الظروف جذریًا. لم یعد بالإمکان الحدیث عن مفاوضات بثقه أو عن الوصول إلى نتیجه. فإذا کانت المفاوضات قبل العدوان تُدار فی ظل عدم الثقه، فإنها بعد العدوان أصبحت مقرونه بعدم الثقه کعنصر لا ینفصل عن المفاوضات مع الأمریکیین. ومع ذلک، وبعد توقف الحرب التی استمرت 12 یومًا، أعلنت إیران أنها لن تتخلى أبدًا عن الدبلوماسیه.
واصلت إیران الجوله الأولى من المفاوضات مع الأوروبیین بشأن تفعیل آلیه الزناد بعد الحرب، فی ترکیا، وعلى مستوى نواب الوزراء. أما بشأن المفاوضات مع الأمریکیین، فقد جرى التأکید مرارًا على أن إیران ستدخل هذه المره إلى طاوله المفاوضات مع شروط مسبقه.
وقال سید عباس عراقجی فی مقابله مع فایننشال تایمز حول ما إذا کانت ستبدأ مفاوضات مع الأمریکیین: «إن إیران لم تعد مستعده لمواصله المسار الحالی للمفاوضات، لأن أمریکا کانت تتفاوض مع إیران ثم تخلّت عن الدبلوماسیه ودخلت فی الحرب. یجب علیهم أن یوضحوا لماذا هاجمونا فی منتصف المفاوضات، ویجب أن یقدّموا ضمانًا بألا یکرروا هذا الفعل فی المستقبل.»
وأضاف: «طریق المفاوضات ضیّق، لکنه لیس مستحیلاً.»، لکن کلًّا من وزاره الخارجیه وسائر المسؤولین الإیرانیین أکدوا أن إیران ستجلس هذه المره إلى طاوله المفاوضات مع شروط مسبقه. الشرط الأول أن تجیب أمریکا عن سبب هجومها على إیران، وأن تقدّم بالإضافه إلى ذلک ضمانًا بأنها لن تهاجم إیران خلال المفاوضات.
الاعتماد على الدبلوماسیه لإزاله التهدیدات عن إیران
إن تأکید إیران على التمسک بالدبلوماسیه حتى فی ظروف توقف الحرب له أهمیه من عده جوانب. فأمریکا، رغم عدوانها وهجومها على إیران، تسعى دائمًا إلى تصویر إیران کتهدید للمنطقه. إن تأکید إیران على أنها تسعى إلى حل التحدیات عبر المسار الدبلوماسی ینقل رساله واضحه إلى العالم مفادها أن إیران لا ترید الحرب فحسب، بل تسعى أیضًا إلى إداره الأزمات عبر التفاوض. إضافهً إلى ذلک، فإن طیفًا سیاسیًا محددًا داخل البلاد یعتقد أن على إیران أن تمنع اندلاع الحرب.
منع اندلاع الحرب لا یکون إلا عبر الدبلوماسیه. إن إشاره إیران الخضراء لتنفیذ الدبلوماسیه مع الحفاظ على العزه توضح أیضًا لتلک الشریحه من الرأی العام التی تعتقد بضروره استخدام التفاوض، أن إیران رغم ردها على العدوان، لا تسعى للحرب، بل تحاول قدر الإمکان استخدام الأدوات السلمیه لإداره التوترات.
وبطبیعه الحال، فإن إیران، فی الوقت الذی أکدت فیه أن طریق التفاوض لم یُغلق، حاولت أیضًا فی تصریحاتها الإعلامیه ألا تتخذ موقفًا یجعل الطرف المقابل یظن أنه یستطیع التعامل مع إیران من موقع ضعف. تأکید إیران على أنها هذه المره ستجلس إلى طاوله المفاوضات مع شروط مسبقه، وأنها لن تفعل ذلک إلا إذا قدم الأمیرکیون ضمانات، کان دلیلًا على أن إیران تحاول إبقاء باب الدبلوماسیه مفتوحًا دون أن تغلقه بالکامل، لکنها فی الوقت نفسه لن تتصرف على طاوله التفاوض وفق أهواء الأمیرکیین ولن تمنحهم کل التنازلات التی یریدونها.
طاوله لاستخراج التنازلات
على الرغم من حسن نیه إیران، فإن الأمیرکیین والأوروبیین ینظرون إلى طاوله المفاوضات على أنها وسیله لانتزاع التنازلات. ففی أثناء المفاوضات بشأن تفعیل آلیه «السناب باک»، وضع الأوروبیون ثلاثه شروط على الطاوله مقابل مجرد تأجیل محتمل للآلیه: عوده المفتشین إلى إیران، قبول طهران بالمفاوضات المباشره مع واشنطن دون شروط مسبقه، وکشف مواقع مخزون الیورانیوم. هذه المطالب المبالغ فیها طُرحت فقط مقابل تأجیل «السناب باک»، ولیس حتى إلغاؤه بشکل دائم.
وحاول الأوروبیون الاستمرار فی استخدام عصا «السناب باک» لانتزاع التنازلات من إیران، لکن الأخیره، رغم استمرارها فی المحادثات، أکدت أن الأوروبیین بسبب دعمهم للعدوان على المنشآت النوویه الإیرانیه وعدم إدانتهم لهذا الفعل، یفتقرون إلى الأهلیه القانونیه للحدیث عن «السناب باک».
أما الأمیرکیون، ففی الوقت الذی یتحدثون فیه عن التفاوض، یکررون أنهم دمّروا المنشآت النوویه الإیرانیه، وهو ما یعزز الاعتقاد بأن أی حافز للتفاوض سیکون من موقع ضعف. هذه المواقف مجتمعه تثبت أن أوروبا والولایات المتحده هما من لا رغبه لهما فی التفاوض، وأن المطالب التی یطرحونها بعیده تمامًا عن أی معاییر تفاوضیه، وکأنها شروط وُضعت کی لا تتحقق. وبینما ترید إیران التفاوض من موقع متکافئ، یسعى الأوروبیون والأمیرکیون إلى التفاوض من موقع ضعف لانتزاع تنازلات مبالغ فیها، وإلا فإن التفاوض لا معنى له عندهم.
الآن أغلقوا الصواریخ
وسط التکهنات حول المفاوضات مع الولایات المتحده، أعلن علی لاریجانی یوم الثلاثاء فی رساله على منصه «إکس» أن الأمیرکیین لا رغبه لهم فی التفاوض. وکتب أمین المجلس الأعلى للأمن القومی فی جزء من رسالته: «طریق التفاوض مع أمیرکا لیس مغلقًا، بل إن الأمیرکیین هم من یتحدثون فقط عن التفاوض دون أن یأتوا إلى الطاوله، ویدّعون کذبًا أن الجمهوریه الإسلامیه ترفض التفاوض».
طرح شروط مسبقه مثل تقلیص مدى الصواریخ الإیرانیه إلى 500 کیلومتر، وقطع الصله بمحور المقاومه، ووقف دعم حزب الله فی لبنان والحشد الشعبی فی العراق، هی بطبیعه الحال مطالب لا یمکن أن تقبلها إیران. وتأتی هذه المطالب فی وقت تعرّضت فیه منشآت إیران النوویه لهجوم مباشر من الأمیرکیین، دون أی ضمان لعدم تکرار العدوان.
هذه المطالب تسد فعلیًا طریق التفاوض، وکأنها شروط وُضعت کی لا تتحقق. إن قبولها بعد العدوان الأمیرکی، وبحسب تعبیرهم تدمیر البرنامج النووی، یعنی أن إیران ستقبل بیدیها رغبه أمیرکا فی إضعافها، وهذه المره فی المجال الدفاعی.
ومن الواضح أن إیران لن تخضع لمثل هذه التهدیدات. لکن طرح هذه الشروط أوضح عده نقاط أساسیه: إن إمکانیه التفاوض مع أمیرکا من موقع متکافئ مع الحفاظ على العزه والمصلحه تکاد تکون مستحیله، لأن الأمیرکیین یرون إیران ضعیفه ولا یسعون إلا لانتزاع مزید من التنازلات. وإثبات عدم رغبه أمیرکا فی التفاوض أکد أن إیران لم تقلب الطاوله أو تتجاهلها، بل إن الأمیرکیین هم من یقلبون الطاوله بسبب عدم تحقق مطالبهم المبالغ فیها.
سله السیاسه الخارجیه لا تتوقف على التفاوض
کانت لدى إیران بطبیعه الحال تقدیرات سابقه أن التفاوض مع أمیرکا وأوروبا لن یحقق نتائج واضحه، ولهذا رتبت سله سیاستها الخارجیه بشکل متنوع، واتجهت شرقًا نحو تعزیز العلاقات مع دول مثل روسیا والصین، التی لدیها بدورها تحدیات مع أوروبا وأمیرکا.
وبعد أن فعّل الأوروبیون آخر أداه تهدید کانت لدیهم ضد إیران، وقّعت وزارات خارجیه إیران وروسیا والصین رساله مشترکه فی تیانجین على هامش قمه شنغهای. وجاء فی جزء منها إدانه الولایات المتحده وأوروبا لسوء نوایاهم، والتأکید على أن أوروبا تفتقر إلى الأهلیه القانونیه لتفعیل «السناب باک».
بالإضافه إلى ذلک، أعدّت روسیا فی الموعد المحدد خلال شهر مسوده لمنع تفعیل «السناب باک». إن توقیع هذه الرساله وإعداد المسوده یثبت أن إیران ستستعین بحلفائها الأقویاء لمواجهه تهدیدات أوروبا ووضع حاجز أمام مطالبها المبالغ فیها.