ساعدنیوز: کتب نصرت الله تاجیک: حزب الله لیس کحزب العمال الکردستانی الذی یفرّط فی سلاحه بقرار من زعیمه! إن سلاح حزب الله حاجه داخلیه، وهو جزء من واقع سیاسی-اجتماعی-عسکری-أمنی مهم فی لبنان، وقد ساهم فی الحفاظ على استقلال هذا البلد!
کتب نصرت الله تاجیک فی مقال بعنوان «أسباب وأسُس شرعیه سلاح حزب الله» فی صحیفه اعتماد:
قبل الدخول فی النقاش حول نزع سلاح حزب الله والعوامل والدوافع الداخلیه والإقلیمیه والدولیه، وکذلک أهداف هذا الإجراء، من الضروری أولاً تناول موضوع أسباب وفلسفه وجود السلاح فی حوزه حزب الله. والسؤال الرئیسی یجب أن یکون: لماذا حمل حزب الله السلاح؟! دون النظر فی هذه المسأله، لا یمکن الإدلاء بتصریحات صحیحه حول القرار الأخیر لمجلس الوزراء اللبنانی فی هذا الصدد.
جوهریاً، تأسس حزب الله منذ البدایه لتسلیح نفسه ومقاومه الاحتلال الصهیونی. هذه الحرکه، على عکس العدید من الجماعات المقاتله الأخرى التی اختارت النشاط السیاسی فی البدایه ولم تتحول إلى استخدام السلاح إلا بعد فشلها فی تحقیق أهدافها، تأسست منذ البدایه بهدف مقاومه احتلال لبنان والانخراط فی الکفاح المسلح. فلسفه وجود حزب الله منذ عام 1982 کانت التسلیح والصمود أمام العدوان وطرد إسرائیل؛ فی ذلک الوقت کانت القوات الإسرائیلیه قد تقدمت إلى بیروت وفی صمت وتقاعس القاده العرب، احتلت العاصمه العربیه الوحیده، دون أن یکون حزب الله قد تأسس بعد أو أعطى المحتل أی ذریعه!
لذلک یمکن القول إن السلاح مرتبط بهویه حزب الله. لقد استُخدم هذا السلاح لمقاومه الاعتداءات الإسرائیلیه المتکرره على لبنان، وقد أظهرت تاریخیه وجود حزب الله فی لبنان أنه لم یستخدمه أبداً لأغراض حزبیه أو جماعیه أو طائفیه، وکان اللبنانیون دائماً یعتبرون هذا السلاح رصیداً وطنیاً.
ویجدر الإشاره أن المجتمع اللبنانی مجتمع طائفی، وبموجب اتفاق غیر مکتوب ودستور، یجب أن تحافظ الطوائف الثلاث—الشیعه والسنه والمسیحیون—على توازن القوى لضمان الأمن والاستقرار، خصوصاً بعد الحرب الأهلیه اللبنانیه التی دامت خمس عشره سنه (1975-1990). قبل هذه الحرب، کان یُعتبر اللبنانیون الشیعه مواطنین من الدرجه الثانیه ولم یکن لهم مکانه کبیره فی الهیکل السیاسی والحکومی. وکانت أنشطه الإمام موسى الصدر ورفاقه فی العقود السابقه هی أولى المحاولات لتغییر هذا الوضع.
رغم ذلک، ظل المجتمع الشیعی فی لبنان فی موقع حرمان مزدوج، فی بلد صغیر لکنه حساس جداً من الناحیه الجیوسیاسیه. علاوه على ذلک، فإن أهمیه مکانه الشیعه فی لبنان لا تقتصر على الجمهوریه الإسلامیه الإیرانیه بعد الثوره، بل حتى قبل الثوره کانت الحکومه الإیرانیه السابقه تولی اهتماماً خاصاً بالتواصل مع المجتمع الشیعی اللبنانی والاستثمار فیه مادیاً وروحیاً. وجود الشیعه فی قلب العالم العربی ذی الأغلبیه السنیه کان دائماً عاملاً موازنًا فی المعادلات الإقلیمیه وأداه لتحقیق الاستقرار والأمن، وخدمه لمصالح إیران الوطنیه والجغرافیه السیاسیه، وکان الإخلال بهذا التوازن یمکن أن یزعزع کامل المعادلات الإقلیمیه.
من جهه أخرى، لبنان بلد لا یملک موارد طبیعیه کبیره وکان یؤدی دور الوسیط المالی فی الستینیات والسبعینیات. لذلک، رغم أنه یُعتبر دوله مستقله، إلا أنه فی الواقع یعتمد بشده على المساعدات الأجنبیه، ولیس متغیراً مستقلاً فی المعادلات الإقلیمیه بل متغیر تابع، وللدول والمنافسین الإقلیمیین والأوروبیین والأمریکیین دور فیه! هذا الاعتماد، مع التمزق الداخلی، جعل سیاسات لبنان تتشکل تحت تأثیر القوى الأجنبیه، وهذا بدوره زاد من عدم الاستقرار واضطراب التوازن الداخلی، وحینما تضعف عوامل التوازن یسعى الأطراف الهیمنه للسیطره، وفی هذا السیاق یلعب جزء من المسیحیین الذین لهم علاقات وثیقه مع إسرائیل لأغراض داخلیه دوراً بارزاً.
وبالنظر لهذه الظروف، یمکن القول إن سلاح حزب الله لیس عاملاً ثانویاً أو إضافیاً اجتماعیاً وسیاسیاً، بل عنصر أصیل فی التوازن الداخلی وهیکل الأمن الوطنی اللبنانی، عنصراً خدم حتى الآن الردع واستقرار البلاد.
وبالنظر لهذه الافتراضات، إذا تناولنا القرار الأخیر لمجلس الوزراء اللبنانی، یجب القول إن هذا القرار یحتوی على عنصرین أساسیین: أولاً، یستغل ظروفاً نشأت نتیجه الإضرار بالردع الإقلیمی لإیران والخسائر التی تکبدها حزب الله.
ثانیاً، تم اتخاذ هذا القرار فی إطار الضغوط الخارجیه، وبالأخص الشروط التی حددتها الولایات المتحده لاستمرار مساعداتها للبنان. من الواضح أن هذا الطلب ینبع أکثر من ضغوط الولایات المتحده وإسرائیل من کونه إراده داخلیه للبنان. فی الوقت نفسه، وبسبب الضعف الهیکلی للمجتمع اللبنانی، والحکم، والدوله، والجیش، لا یمکن أساساً التأکد من قدره الجیش على الدفاع الکامل عن حدود وسیاده البلاد. لقد کان حزب الله وسلاحه هو الذی، على الرغم من الأضرار الجسیمه التی لحقت بقیادته، بقی مستقرًا هیکلیًا وأبقى إسرائیل خلف حدود لبنان! لذلک، یبدو أن اتخاذ مثل هذا القرار هو أکثر نتیجه للظروف والضغوط الخارجیه منه جذوره فی الاحتیاجات السیاسیه والاجتماعیه والأمنیه والواقع الداخلی.
لم تقلل هذه الأضرار التی لحقت بحزب الله شیئًا کبیرًا من شعبیته وتأثیره! إن النظر فی آخر انتخابات المجالس البلدیه وقرویه لبنان، بکل خصائصها الطائفیه، والتوزیع الجغرافی لهذه الطوائف، وبالأخص الشیعه، یؤکد هذا الادعاء.
لذلک، من وجهه نظری، یجب تحلیل مسأله نزع سلاح حزب الله والقرار الأخیر للحکومه اللبنانیه على ثلاثه مستویات: وطنی، إقلیمی، ودولی. ویظهر الترابط بین هذه الأبعاد الثلاثه بوضوح أن سلاح حزب الله لیس مجرد أداه سیاسیه لکسب السلطه بل هو عامل جیوسیاسی ذو تأثیرات عابره للحدود:
على المستوى الوطنی، یرتبط هذا الموضوع مباشره بتوازن القوى اللبنانیه وضمان أمن المجتمع. فی بلد ذو هیکل طائفی وتجربه حرب أهلیه طویله، یلعب وجود قوه عسکریه مستقله ووطنیه دورًا حاسمًا فی المعادلات الداخلیه، ولا یبرر مجرد رغبه أو إراده بعض المسیحیین، المرتبطین مادیًا ومعنویًا بإسرائیل، نزع سلاح حزب الله!
على المستوى الإقلیمی، عمل سلاح حزب الله کعامل رادع ضد العدوان الإسرائیلی ولعب دورًا رئیسیًا فی منع تجاوزات تل أبیب، سواء على الصعید العسکری أو فی المفاوضات والأنشطه السیاسیه بین لبنان وإسرائیل. بین جیران إسرائیل، یُعتبر لبنان الأضعف والأکثر عرضه للخطر، وکانت ید إسرائیل الطویله واحتلالها دائمًا ممدوده على لبنان، مؤثره على المعادلات الوطنیه اللبنانیه وتوازن القوى الداخلیه من خلال حلیفتها المسیحیه فی الشؤون الداخلیه اللبنانیه!
على المستوى الدولی، یرتبط هذا الموضوع بسیاسات وتنافس القوى الکبرى. الدعم غیر المشروط للولایات المتحده لإسرائیل، ومواقف القوى الأوروبیه، وحتى موقف دول مثل الصین وروسیا والدول الأوروبیه، وخصوصًا فرنسا بسبب الروابط التاریخیه، یمکن أن تؤثر جمیعها فی تحدید أبعاد وعواقب مسأله نزع سلاح حزب الله.
فیما یتعلق برد فعل حزب الله على هذا القرار، فقد کان حتى الآن محسوبًا ومناسبًا ووطنیًا، استنادًا إلى منظور حکومی یأخذ بعین الاعتبار المصالح العامه ولیس المصالح الحزبیه أو الطائفیه. فی رأیی، یجب النظر إلى حزب الله کقوه نامیه وفاعله على المستوى الوطنی فی لبنان، والإقلیمی، وحتى الدولی، ویجب ترک حل هذه المسأله لهم. لا حاجه لمسؤولینا لاتخاذ موقف علنی بشأن هذا الموضوع، لأن هذه المسأله تتعلق أساسًا بحزب الله وهی قرار داخلی ووطنی، وقد أظهر هذا التیار منذ عام 1982 مرارًا وتکرارًا قدرته على إداره هذه التحدیات وحلها. إذا قبلنا هذه الحقیقه، یمکن أیضًا إزاله العدید من القضایا الهامشیه بین إیران ولبنان. ربما لو لم یکن هناک إصرار فی هذه المرحله على زیاره کبار المسؤولین فی بلدنا، مثل أمین المجلس الأعلى للأمن القومی، إلى لبنان، لکانت العلاقات بین البلدین قد احتفظت بوزنها واستقرارها السابق، ولما تمکنت الجهات الإقلیمیه مثل إسرائیل أو السعودیه من التأثیر على هذه العلاقات، التی تمتلک قدرات بناءه إقلیمیه عدیده! ولم یکن لیکون هناک فرصه لمعارضی إیران الإقلیمیین لتقویض العلاقات الإیرانیه-اللبنانیه أکثر! تدرک الحکومه اللبنانیه عادهً جیدًا أن حزب الله، وسلاحه، ودور إیران عامل فعال وحاسم فی المعادلات الداخلیه والإقلیمیه والدولیه لهذا البلد الصغیر والضعیف، ولا ترى حاجه لحرمان نفسها من هذا العامل.
فی رأیی، إذا آمنّا بحزب الله وقبلنا أن هذا التیار قادر على إداره شؤونه، واستخراج "سجاده من الماء" کما یقولون، فإننا لم نتخذ خیارًا خاطئًا. صحیح أن القرار الأخیر للحکومه اللبنانیه له أصل خارجی، لکن أولًا یجب القول إنه من غیر الواضح أساسًا ما إذا کان مثل هذا القرار قابلًا للتنفیذ أم لا! منذ البدایه، حاول حزب الله إداره المشهد بأسلوب مراقب وإداره التوتر. فی البدایه، حاول من خلال ممثلیه فی الحکومه منع اعتماد مثل هذا المشروع؛ لکن الضغوط الخارجیه، وخاصه تهدیدات الولایات المتحده بقطع المساعدات الاقتصادیه والاجتماعیه وحتى السیاسیه عن لبنان، وهو أمر حیوی لذلک البلد، أجبرت الحکومه على قبول هذا المسار. ومع ذلک، لا یزال من غیر الواضح ما إذا کان یمکن تنفیذ مثل هذا القرار عملیًا أو ما إذا کان یمکن أن یجلب فوائد طویله الأمد للحکومه اللبنانیه فی خلق توازن ضد إسرائیل. فی الأیام الأخیره، ومع تصاعد الضغوط، کان موقف الأمین العام لحزب الله واضحًا أیضًا.
فی رأیی، سلاح حزب الله لیس مجرد عامل سیاسی؛ إنه عنصر یمکن لوجوده أو فقدانه أن یخلق تغییرات جیوسیاسیه مهمه. لذلک، لا یمکن حل هذه المسأله بالقوه أو الضغط العسکری، بل فقط من خلال التفاوض والحلول السیاسیه الداخلیه اللبنانیه، شریطه أن یکون تنفیذ مثل هذا المشروع ممکنًا أساسًا. حتى الآن، حاول حزب الله إداره هذه المسأله داخلیًا ووطنیًا، والسیطره على التوترات ومنع البلد من الانزلاق نحو الحرب الأهلیه. ومع ذلک، یجب التأکید على أنه إذا أرادت الحکومه اللبنانیه متابعه تنفیذ هذا القرار، فستواجه مشروعًا قد لا یمکن مراجعته فی شهرین أو ثلاثه، ولا حتى فی سنه أو سنتین، بل فی عملیه طویله الأمد. ومع ذلک، أشک أن حزب الله سیوافق على مثل هذا الطلب، لأنه کما ذُکر سابقًا، هذا السلاح جزء من هویه حزب الله وفلسفه وجوده، والمحاوله لتجریده قد تدفع البلد نحو الحرب الأهلیه وعدم الاستقرار وحتى التفکک.
حزب الله لیس PKK الذی یتجرد من السلاح بقرار من زعیمه! سلاح حزب الله هو حاجه داخلیه لجزء مهم من واقع لبنان السیاسی-الاجتماعی-العسکری-الأمنی الذی حافظ على استقلال البلد! ومع ذلک، بسبب تعقیدات المشهد والدوافع المختلفه وغیر الأصیله لأصحاب المصلحه المحلیین والخارجیین، لا یمکن حتى الآن التنبؤ بسیناریو محدد ومحتمل لعواقب مثل هذا القرار، لأن المسأله جدیده والتطورات لا تزال تتشکل. إذا وضعت هذه المسأله فی إطار خطاب وطنی وتم حلها عبر القنوات السیاسیه، فسیکون هناک طریق صحیح؛ لکن إذا فشل هذا المسار وتوجهت المسأله نحو الصراع والعنف، فسیظهر مسار مختلف تمامًا. یصر حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه لأسباب مختلفه—طائفیه ووطنیه وإقلیمیه. إذا أصرت الحکومه اللبنانیه على تنفیذ قرارها الأخیر، فقد یؤدی ذلک إلى صراع داخلی وتبعات أوسع داخل لبنان، ویدفع البلاد نحو أزمه جدیده. فی الوقت نفسه، یجب ملاحظه أن المجتمع اللبنانی أکثر تعقیدًا من مجرد رسم خط بسیط. فی التوازن بین الشیعه والسنه والمسیحیین، على الرغم من أن بعض الجماعات المسیحیه أو الدرزیه، المحرضه من إسرائیل، وبعض الجماعات السنیه المحرضه من السعودیه، توافق على تجرید حزب الله من سلاحه، إلا أن أجزاء أخرى من نفس المجتمعات تدعم سلاح حزب الله لأسباب مختلفه. لذلک، تواجه لبنان نوعًا من التنوع وحتى الفوضى فی المواقف الداخلیه. کیف ستجد هذه المواقف توازنًا جدیدًا فی النهایه هو موضوع یحتاج إلى دراسه وتحلیل مفصل فی المستقبل، لکن یجب أن یکون أمر واحد مؤکد لنا فی إیران: ضروره الثقه بحزب الله لحل هذه المسأله الداخلیه من خلال الروافع التی یمتلکها! فی أسوأ الحالات، وفقًا للمثل الإیرانی، حزب الله سقط عن الحصان، ولیس عن جوهره! إن شاء الله.