ساعدنیوز: فی الأسبوع الماضی، لم تُثِر الهجمات العسکریه الإسرائیلیه على غزه وسوریا موجه من الإدانات الدولیه فحسب، بل یبدو أنها فاجأت حتى حلیفتها الدائمه، الولایات المتحده الأمریکیه. وتشیر التقاریر إلى أن الرئیس الأمریکی السابق دونالد ترامب قد أُصیب بـ"صدمه" من التحرکات المفاجئه وغیر المنسقه لإسرائیل، مما أثار شکوکًا جدیه داخل البیت الأبیض...
وفقًا لتقریر موقع ساعد نیوز نقلاً عن شبکه سی إن إن، فی أسبوع حافل بالتوتر فی الشرق الأوسط، أشعلت إسرائیل مجددًا نیران الأزمه بهجمات واسعه على قطاع غزه والمناطق الحدودیه السوریه. لکن هذه المره، وعلى عکس المعتاد، لم تقتصر النظرات القلقه على واشنطن على التطورات الإقلیمیه فقط، بل ظهرت داخل البیت الأبیض انقسامات فی الدعم غیر المشروط لحکومه تل أبیب؛ انقسامات تحمل دلائل على إرهاق استراتیجی وإعاده نظر فی السیاسه الخارجیه الأمریکیه تجاه إسرائیل.
وفقًا لمصادر مقربه من دوائر الجمهوریین، فإن دونالد ترامب، الذی کان دائمًا من أشد المدافعین عن سیاسات حکومه نتنیاهو، تفاجأ بشده وقلق من إجراءات إسرائیل «دون إشعار مسبق» فی سوریا وغزه هذه المره. وتُعد هذه الرده علامه مهمه على احتمال تغیر فی تصور النخب السیاسیه الأمریکیه بشأن الدور الاستراتیجی لإسرائیل فی المنطقه.
فی الأوساط الخاصه، صرح ترامب أن نتنیاهو اتخذ إجراءات دون تنسیق مسبق مع واشنطن، و«هذا التجاهل غیر مقبول». وعلى الرغم من أن ترامب لم یدن الأمر رسمیًا بعد، إلا أن رد فعله غیر الرسمی یعکس أن حتى أبرز وجوه الیمین الأمریکی قد سئموا من قرارات نتنیاهو الأحادیه.
أظهرت إداره بایدن فی الأسابیع الأخیره علامات على بروده فی العلاقات مع رئیس وزراء إسرائیل. فقد تقلصت الاتصالات الدبلوماسیه، وأصبحت تصریحات المسؤولین الأمریکیین أکثر تحفظًا بشکل ملحوظ. وصرحت وزاره الخارجیه الأمریکیه رداً على الهجمات الأخیره بأن "على جمیع الأطراف التحلی بضبط النفس" — وهی جمله تبدو محایده ظاهریًا لکنها تعکس غیاب الدعم الحازم لتل أبیب.
یرى المحللون أن النهج الحالی لإداره بایدن وحتى جزءًا من الجمهوریین، نابع من تزاید الضغوط الشعبیه والقلق الدولی تجاه التداعیات الإنسانیه لأعمال إسرائیل فی غزه وسوریا.
لم یعد الشرق الأوسط ذلک المنطقه التی تستطیع فیها إسرائیل القیام بأی إجراء دون تکلفه. فمن جهه، المقاومه فی غزه أصبحت أکثر تنظیماً من أی وقت مضى، ومن جهه أخرى، محور إیران–سوریا–لبنان، رغم التحدیات الداخلیه، خلق رادعًا نسبیًا. فی هذا السیاق، أصبحت التنسیق بین إسرائیل وأمریکا لتحقیق أهداف أمنیه مشترکه ذا أهمیه مضاعفه، ولکن یبدو أن هذا التنسیق فی حاله تآکل.
السلوکیات الأخیره لإسرائیل لا تتماشى فقط مع الاستراتیجیه الکبرى لأمریکا فی المنطقه، بل قد تؤدی إلى صراعات غیر مرغوب فیها ستکلف واشنطن کثیرًا. وخصوصًا بعد تجربه أفغانستان والعراق، یفضل صانعو السیاسات الأمریکیون تجنب الصراعات المباشره أو دعم نزاعات لا تنتهی.
داخل إسرائیل، یواجه نتنیاهو أزمات سیاسیه واحتجاجات شعبیه. یعتقد کثیر من المراقبین أن الإجراءات العسکریه الأخیره التی اتخذها لیست مبنیه أساسًا على اعتبارات أمنیه، بل هی محاوله لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلیه وضمان بقائه السیاسی. رغم أن هذه التکتیکات نجحت سابقًا، إلا أنها قد تکلف تل أبیب ثمنًا استراتیجیًا لا یمکن تعویضه.
هل ستضحی أمریکا بمصداقیتها الدولیه من أجل أهداف قصیره الأمد لزعیم سیاسی؟
الإجابه على هذا السؤال تکشف جزءًا من الشکوک المتزایده داخل البیت الأبیض.
تشیر الدلائل الأخیره إلى أنه رغم أن الدعم الاستراتیجی الأمریکی لإسرائیل لن یتراجع على المدى القصیر، إلا أن واشنطن تسعى إلى فرض قیود على التصرفات العدوانیه وغیر الردعیه لتل أبیب. تغییر لهجه وسائل الإعلام الأمریکیه، تصاعد ضغوط جماعات الضغط المنتقده لإسرائیل، وحتى المواقف المختلفه لبعض أعضاء الکونغرس، کلها تدل على حدوث تغییر تدریجی.
إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تشهد العقود القادمه للمره الأولى تحول الدعم غیر المشروط لإسرائیل إلى "دعم مشروط" و"مراجعه الأولویات".
الأحداث التی شهدناها الأسبوع الماضی لم تکن مجرد تحول فی ساحات القتال فی الشرق الأوسط، بل کانت تحذیراً من تحول فی بنیه السیاسه الخارجیه الأمریکیه. دونالد ترامب، رمز الدعم المتطرف لإسرائیل، انتقد هذه المره إجراءات تل أبیب، وهذا بحد ذاته یکفی لیجعلنا نؤمن بجدیه التغییر فی النهج بواشنطن.
رغم أن "تجاوز نتنیاهو" لم یصبح بعد سیاسه رسمیه للولایات المتحده، إلا أن علامات التحول الهادئ والتدریجی واضحه بجلاء؛ تحول قد یکون بدایه فصل جدید فی علاقات أمریکا مع إسرائیل والمنطقه المضطربه فی الشرق الأوسط.