الأسرار الخفیه لسوق الشعر البشری الذی یدر ملیارات الدولارات

وفقًا لخدمه العلوم والتکنولوجیا فی SaedNews، جمیعنا ندخل هذا العالم إما أصلعًا أو بشعر قلیل جدًا. فی الطفوله، نرفض غسله أو تمشیطه أو تقصیره، لکن مع نموّنا، یطور معظمنا ارتباطًا شخصیًا بشعره. الشعر فرید لکل شخص، وهو عنصر من عناصر هویتنا. نعانق فرو الکلاب والقطط، ونرتدی ملابس مصنوعه من صوف الغنم أو فرو الأرانب، ومع ذلک، رؤیه شعر شخص آخر على ملابسنا أو فی الحمام أو—لا قدر الله—فی طعامنا یمکن أن تثیرنا.

الشعر یثیر مشاعر معقده؛ فالشعر الصحی یرمز إلى القوه والشباب والحیویه. أما قص الشعر أو حلقه بالقوه، فقد یُشعر الشخص بانتهاک لخصوصیته. کما یرتبط الشعر بالفولکلور والخیال والهوس. ففی قصه "رابونزل"، تستخدم الشعر للهروب من البرج؛ وفی القصص التوراتیه، قصت دلیله شعر شمشون لیجرده من قوته.

الشعر جزء لا یتجزأ من ثقافاتنا وتقالیدنا وتاریخنا. ومع ذلک، قلیلون هم من یعرفون رحله الشعر الخفیه فی العالم الحدیث. إیمّا تارلو، عالمه الأنثروبولوجیا البریطانیه، قضت ثلاث سنوات تتبع مسار الشعر البشری عبر صناعه عالمیه بملیارات الدولارات—تصنع منها الباروکات، وصلات الشعر، الأسمده، مستحضرات التجمیل، طعام الحیوانات، وحتى الأعمال الفنیه. فی کتابها "Entangled"، تسرد قصه أحیانًا مزعجه وأحیانًا مثیره، لکنها دائمًا جذابه.

تجاره الشعر البشری لها تاریخ طویل. فی القرن التاسع عشر، کان الأوروبیون فی الریف یبیعون شعرهم أو شعر أطفالهم فی الأسواق لتکمله دخلهم. فی المزادات الفرنسیه، کانت الفتیات توضعن على منصات، وعند تقدیم أعلى مزایده لشعرهن الطویل، یُقص مباشره. فی بریطانیا، کان التجار المتجولون یقنعون الفتیات فی المهرجانات ببیع شعرهن مقابل المجوهرات. ثم یُحول هذا الشعر إلى باروکات ویباع للمشترین الأثریاء فی باریس ولندن ونیویورک. الیوم، لا یزال الشعر یُستخرج غالبًا من سکان الفئات الفقیره ویُباع للمستهلکین الأغنیاء، لکن مرکز هذه التجاره انتقل من الغرب إلى الشرق.

حالیًا، یُعد الشعر الأکثر قیمه هو الشعر الذی یُحلق فی معابد الهندوس بجنوب الهند، حیث یحلق الرجال والنساء والأطفال رؤوسهم کفعل من أفعال الإیمان. یُفرز هذا “الشعر المعمدی” بعنایه ویُباع لتمویل مشاریع اجتماعیه وخیریه، محققًا إیرادات تصل إلى 20 ملیون جنیه إسترلینی سنویًا لکل معبد.

یُرسل جزء کبیر من الشعر المستخرج من الهند ومیانمار وبنغلادیش إلى مصانع کبیره فی الصین، حیث یُبیض أو یُصَبغ—من الأشقر إلى البنی—ویُلف أو یُموج أو یُفرد، ثم یتحول إلى باروکات أو وصلات شعر بعده أشکال. الصین هی أکبر مصدر للباروکات والوصلات البشریه والصناعیه، وتعرف مدینه شوتشانغ الصینیه باسم "مدینه الشعر" لکثره مصانع المعالجه فیها.

تُصدر معظم الباروکات ومنتجات الشعر إلى الولایات المتحده وأوروبا وأفریقیا. قد تبدأ باروکه أشقر مجعد فی لندن أو نیویورک کشعر أسود مستقیم قُطع فی الهند. الطلب مرتفع جدًا لدرجه أن الشعر المتساقط الذی یُجمع أثناء التمشیط فی جنوب وجنوب شرق آسیا یُستخدم أیضًا. فی میانمار وبنغلادیش والهند، یجوب جامعو الشعر المتجولون القرى بالدراجات أو القوارب، یجمعون الشعر فی حزم. ویقوم العمال الریفیون، الذین یکسبون دولارًا واحدًا فقط یومیًا، بفکه بعنایه، وفرزه حسب الطول، وتغلیفه. یمکن أن تُصنع باروکه واحده من شعر مئات الأشخاص.

سافرت تارلو حول العالم للقاء الحجاج، والحلاقین، وسکان القرى، وعمال المصانع، ورواد الأعمال، والتجار، والعملاء الذین یشارکون فی تحویل الشعر البشری إلى تجاره عالمیه ضخمه. فی هذه الصناعه المربحه والتی تفتقر إلى التنظیم إلى حد کبیر، تعتبر الاستغلال والفساد والغش أمرًا شائعًا. الشعر المعلن على أنه "أشقر روسی" قد یکون فی الواقع شعر هندی مبیض ومعبأ فی الصین. کما تحتوی المنتجات المعلَّمه بـ "100٪ شعر بشری" أحیانًا على ألیاف حیوانیه أو صناعیه. تنشأ أیضًا صدامات ثقافیه؛ فعندما حظرت الولایات المتحده واردات "الشعر الشیوعی" من الصین عام 1966، انتقل الإنتاج إلى هونغ کونغ، وفی عام 2004 أعلن حاخام بارز فی القدس أن شعر المعابد الهندیه محظور، مما أفلس العدید من موردی الباروکات فی نیویورک.

على الرغم من أن هذه الصناعه قد تبدو مزعجه أو غامضه أخلاقیًا، فإن تارلو تتجنب إصدار الأحکام الأخلاقیه. فهی تتعامل مع الموضوع بحساسیه ثقافیه وفضول علمی، حیث أجرت مقابلات مع نساء یهودیات أرثوذکس فی غولدرز جرین ینفقن مبالغ کبیره على الباروکات المصنوعه من شعر الآخرین، وکذلک نساء فقدن شعرهن بسبب السرطان أو الثعلبه. تزور معارض الشعر فی الولایات المتحده وصالونات فی السنغال، مستکشفه النقاشات بین النساء السود اللواتی، رغم الدعوه للشعر الطبیعی، ینفقن مبالغ کبیره لفرد أو جدل أو تمدید شعرهن.

تقدم رحله تارلو فی عالم الشعر البشری منظورًا فریدًا على الثقافه العالمیه والتجاره، وأهمیه الشعر الحمیمیه فی حیاتنا—رحله مذهله من الارتباط الشخصی إلى صناعه بملیارات الدولارات.