ساعدنیوز: فی روسیا، تقوم السلطات الأمنیه بمراقبه سلوک المستخدمین فی الفضاء الإلکترونی بشکل مکثف وتسعى للتعرف على ما یسمونه "التطرف". وقد أثار هذا الإجراء مخاوف بشأن قیود على حریه التعبیر والسیطره الواسعه على الإنترنت فی البلاد.
وفقاً لموقع ساعد نیوز، نقلاً عن فرانس 24: فی الأشهر الأخیره، رکزت روسیا اهتماماً خاصاً على الأنشطه الإلکترونیه لمواطنیها وزادت من جهودها لتحدید ومواجهه ما تسمیه السلطات "التطرف". وقد أثار هذا الاتجاه مخاوف واسعه على المستویین الداخلی والدولی بشأن قیود حریه التعبیر، والتحکم فی المعلومات، والفضاء السیبرانی فی البلاد. وتشیر التقاریر إلى أن الحکومه الروسیه أنشأت شبکه واسعه لمراقبه سلوک مستخدمی الإنترنت باستخدام أدوات قانونیه وتقنیه، تشمل وسائل التواصل الاجتماعی، والمواقع الإخباریه، وحتى منصات الرسائل الخاصه.
ویُعد هذا النهج الجدید جزءاً من السیاسات الأوسع لروسیا للحفاظ على الاستقرار الداخلی ومواجهه التهدیدات التی تصنفها السلطات على أنها "تطرف" أو "إرهاب". ومع ذلک، فإن تعریف التطرف فی القوانین الروسیه واسع وأحیاناً غامض، مما أدى إلى شمول العدید من الإجراءات القانونیه والأنشطه المدنیه على الإنترنت ضمن هذه القوانین. ویحذر خبراء حقوق الإنسان من أن هذا الوضع قد یؤدی إلى قمع الحریات الأساسیه وتقیید أنشطه الإعلام المستقل.
من الناحیه التقنیه، تستخدم روسیا تقنیات متقدمه، بما فی ذلک خوارزمیات تحلیل البیانات والذکاء الاصطناعی، لمراقبه نشاط المستخدمین. وتُلزم شرکات التکنولوجیا بالکشف عن المحتوى المشبوه والإبلاغ عنه، وإذا لم تتعاون، فقد تواجه غرامات ثقیله أو حجب الخدمات. بالإضافه إلى ذلک، تُضغط بعض المنصات الأجنبیه العامله فی روسیا لاستضافه خوادمها داخل البلاد لتسهیل وصول السلطات الروسیه إلى بیانات المستخدمین.
ومن النتائج المباشره لهذه السیاسه زیاده الرقابه الذاتیه بین مستخدمی الإنترنت. فالمواطنون الروس یصبحون تدریجیاً أکثر حذراً ویمتنعون عن التعبیر عن الآراء النقدیه أو المشارکه فی النقاشات السیاسیه عبر الإنترنت. وهذا الوضع لا یؤثر فقط على حریه التعبیر، بل قد یحد أیضاً من تدفق المعلومات بحریه والنقد الاجتماعی. ویعتقد العدید من المحللین أن هذا الاتجاه یدفع تدریجیاً بیئه الإعلام فی روسیا نحو السیطره الکامله للحکومه.
وعلى الصعید الدولی، لاقت إجراءات روسیا اهتماماً وانتقاداً من منظمات حقوق الإنسان والدول الأخرى. فقد حذرت الهیئات الدولیه، بما فی ذلک لجنه حقوق الإنسان التابعه للأمم المتحده ومنظمات الدفاع عن حریه الإنترنت، من مخاطر قمع الأنشطه المدنیه والإعلامیه فی روسیا. وشددت على أن ملاحقه "المتطرفین" لا ینبغی أن تکون ذریعه لتقیید الحریات الأساسیه للمواطنین، وأنه یجب على الحکومات الموازنه بین الأمن والحقوق الفردیه.
وتختلف ردود الفعل داخل روسیا. فبعض المواطنین یدعمون إجراءات الحکومه ویعتبرونها ضروریه للأمن القومی، خصوصاً فی ظل تصاعد التهدیدات الداخلیه والدولیه، بما فی ذلک الاحتجاجات المدنیه أو أنشطه المعارضه. ومع ذلک، ترى منظمات المجتمع المدنی وحقوق الإنسان أن هذه الإجراءات أدوات ضغط وقمع قد تزید من عدم ثقه الجمهور بالحکومه.
ومن اللافت أن المراقبه والسیطره على الفضاء الإلکترونی فی روسیا لا تقتصر على المستخدمین المحلیین فحسب، بل تحاول السلطات الروسیه أیضاً تقیید المحتوى الأجنبی والسیطره على الوصول إلى المواقع والشبکات الاجتماعیه الأجنبیه. وقد أدت هذه السیاسات إلى تقیید أو حجب العدید من وسائل الإعلام الدولیه والمنصات الأجنبیه فی روسیا، مما أجبر المواطنین على استخدام أدوات تجاوز الرقابه للوصول إلى المعلومات الدولیه.
ویعتقد خبراء التکنولوجیا والأمن السیبرانی أن هذا النهج قد یکون له تأثیرات اقتصادیه وابتکاریه فی روسیا. فالقیود الواسعه على الإنترنت والضغط على شرکات التکنولوجیا یمکن أن یضعف بیئه الأعمال الرقمیه ویقلل من الاستثمار الأجنبی. وفی الوقت نفسه، قد تدفع هذه السیاسات الشباب والقوى العامله المتخصصه فی التکنولوجیا للبحث عن فرص عمل فی الخارج، مما قد یقلل من قدره روسیا على الابتکار والتطویر الرقمی.
ومن الجوانب البارزه فی هذا المجال زیاده الملاحقات القضائیه للمستخدمین عبر الإنترنت. فقد اعتُقل خلال السنوات الأخیره عشرات الأشخاص فی روسیا بتهمه نشر محتوى "متطرف" أو المشارکه فی مجموعات "محظوره" على الإنترنت. وقد تمت ملاحقه بعضهم لمجرد مشارکه منشورات نقدیه أو المشارکه فی نقاشات سیاسیه عبر الإنترنت. وقد دفع هذا المنظمات الحقوقیه والصحفیین المستقلین لتحذیر من زیاده القمع الرقمی وتهدید حریه التعبیر فی روسیا.
ومن الناحیه الثقافیه والاجتماعیه، أثرت هذه السیاسات أیضاً على سلوک المستخدمین. فقد بدأ العدید من المواطنین الروس بشکل عفوی فی إنشاء شبکات خاصه ومشفره للتواصل وتبادل المعلومات. وتستخدم مجموعات المجتمع المدنی والنشطاء الحقوقیون هذه الفضاءات الخاصه للتوعیه والتعلیم وتنظیم أنشطتهم. ومع ذلک، تحاول السلطات الروسیه مراقبه هذه القنوات الخاصه باستخدام أدوات تقنیه متقدمه للکشف عن الأنشطه المشبوهه.
ویمکن النظر إلى تجربه روسیا فی مراقبه الفضاء الإلکترونی کنموذج لکیفیه تعامل الحکومات مع الإنترنت والأمن القومی فی العصر الرقمی. وتوضح أن التوازن بین الأمن والحریات الفردیه فی الفضاء الرقمی هش للغایه، وأن أی خطوه نحو السیطره الکامله یمکن أن تترتب علیها عواقب اجتماعیه واقتصادیه وسیاسیه واسعه النطاق.
وفی النهایه، تشکل حاله روسیا فی مراقبه الإنترنت وملاحقه ما تسمیه "المتطرفین" جزءاً من اتجاه عالمی معقد یواجهه العدید من الدول: کیفیه إداره الفضاء الإلکترونی والأمن السیبرانی مع الحفاظ على الحریات الفردیه. ویمکن لتجربه روسیا أن تکون تحذیراً للدول الأخرى بأن القیود الواسعه على الإنترنت وقمع الحریات الإلکترونیه یمکن أن یکون لها تبعات طویله المدى وعمیقه على المجتمع واقتصاد الدوله.
وباختصار، فإن الإجراءات الأخیره لروسیا فی السیطره على السلوک عبر الإنترنت وملاحقه ما یُسمى بالتطرف لم تزد المخاوف الحقوقیه فحسب، بل لها آثار سیاسیه واقتصادیه وثقافیه واسعه النطاق. وقد خلقت هذه السیاسات تحدیات کبیره للمواطنین وشرکات التکنولوجیا والحکومات، وتوضح أن مستقبل الفضاء الإلکترونی وحریه التعبیر فی روسیا ودول أخرى سیظل مصحوباً بعدم الیقین والتوتر.