ساعدنیوز: وزیر الخارجیه الإیرانی الأسبق محمد جواد ظریف یحذر من أن غرب آسیا عند نقطه تحول خطیره، داعیاً إلى تحول دبلوماسی جریء من نموذج التهدیدات إلى نموذج الفرص. ویؤکد على صمود إیران، وصلاتها الإقلیمیه، وضروره التعاون الشامل لتجنب الحروب التی لا تنتهی وبناء مستقبل مشترک.
فی مذکره کتب ظریف:
"غرب آسیا عند مفترق طرق خطیر. المآسی التی تتکشف فی غزه ــ والاعتداءات الأخیره ضد إیران التی تصدى لها شعبها وقواتها المسلحه، وعدم الاستقرار المستمر فی سوریا ــ توضح بجلاء أن التهدید الوحید المسمى بـ"الوجودی" بالنسبه لبنیامین نتنیاهو، رئیس وزراء إسرائیل، وداعمیه العالمیین، هو فی الحقیقه السلام والاستقرار. هذا المزیج ــ نظام الفصل العنصری الداخلی فی إسرائیل وصراعها الدائم فی المنطقه ــ یهدد أسس النظامین الإقلیمی والعالمی. وبینما تُعدّ الدفاعات القویه ضروریه، فإن الحل المستدام یتطلب مبادره دبلوماسیه جریئه: تحول تاریخی لإیران والمنطقه من نموذج متجذر فی التهدید إلى نموذج قائم على تمکین الفرص؛ بما فی ذلک توسیع العلاقات مع الجوار والجنوب العالمی، وإنشاء شراکات إقلیمیه جدیده بین دول غرب آسیا المسلمه، واستئناف الحوار مع أوروبا والولایات المتحده."
وبحسب ما نقلته وکاله "ساعد نیوز" عن "إیسنا"، أضاف ظریف:
"لقد عانت دول المنطقه لفتره طویله من الوقوع فی دورات صراع وضیاع فرص. بناء مستقبل مختلف یتطلب رؤیه وشجاعه وقراراً واعیاً للتحرر من الحتمیه التاریخیه. بالنسبه لإیران، یبدأ هذا التغییر داخلیاً ویمتد إلى محیطها وجیرانها. لقد أثبتت إیران أنها لیست فریسه سهله وقادره على الدفاع عن نفسها ضد معتدین نوویین اثنین، وبالتالی فهی تمتلک القدره على إنجاز هذا الانتقال الحیوی من نهج یتمحور حول التهدید إلى نهج یرکز على اغتنام الفرص. وهذا لیس ممکناً فحسب، بل هو فی مصلحه إیران والمنطقه والمجتمع الدولی. تحقیق ذلک یتطلب عزیمه داخلیه قویه وتحرراً من التدخلات الأجنبیه."
وتابع ظریف:
"أعظم طاقات إیران تکمن فی شعبها. آلاف السنین من التاریخ تشهد على صمودهم الاستثنائی. قد یکون الغزاه احتلوا أراضی إیران، لکنهم لم ینجحوا أبداً فی فرض قیمهم على شعبها. هذا الصمود هو العامل الحاسم الذی أربک أعداءً بدا أنهم متفوقون ــ من غزو العراق عام 1980 (بدعم من القوى العالمیه) إلى المحاولات الأخیره من نتنیاهو والرئیس الأمیرکی السابق دونالد ترامب. وهو أیضاً السبب وراء فشل أربعه عقود من سیاسه الضغوط القصوى والعقوبات القاسیه فی تحقیق أهدافها."
وأضاف وزیر الخارجیه الأسبق:
"الرکیزه الحیویه الثانیه لطاقات إیران تکمن فی محیطها. بحدود مع 15 دوله، تقف إیران عند مفترق فرید فی أوراسیا. والأهم من ذلک، أن المنطقه تتمتع بروابط تاریخیه وثقافیه عمیقه لا تنفصم، نسجها على مدى قرون الشعراء والمتصوفه والفلاسفه والعلماء الإیرانیون. هذه الروابط صمدت أمام الإمبراطوریات والغزوات والاضطرابات. ومع ذلک، ظل التعاون الإقلیمی الحقیقی بعید المنال. خلال عقود عملی کدبلوماسی إیرانی، شارکت فی مبادرات تم تقویضها باستمرار بفعل نموذج الشک والتهدید."
وأکمل:
"لکن التصعیدات الأخیره من إسرائیل خلقت وعیاً جدیداً بالضعف المشترک فی المنطقه. الآن هناک فرصه حیویه. على إیران، مع البحرین ومصر والعراق والأردن والکویت وعُمان وقطر والسعودیه وسوریا وترکیا والإمارات والیمن ــ وربما تمتد لاحقاً إلى باکستان وآسیا الوسطى والقوقاز ــ أن تغتنم هذه اللحظه. تحت مظله الأمم المتحده، یمکننا صیاغه اتفاق جدید قائم على التحول الاستراتیجی من الانقسام إلى التآزر. ممرات طاقه مشترکه، أطر قویه لمنع الانتشار النووی والتعاون النووی، شراکات اقتصادیه، ووحده ثقافیه یمکن أن تکون محرکات للازدهار الجماعی."
وکتب ظریف:
"من خلال هذا النموذج القائم على الفرص، یمکن لإیران ــ وحتى لروسیا وترکیا ــ أن تنظر إلى الاتفاق الأخیر الذی توسطت فیه الولایات المتحده بین أذربیجان وأرمینیا لیس کتهدید بل کفرصه: فرصه لإحیاء المقترح السابق للتعاون فی مجال العبور فی القوقاز بین إیران وروسیا وترکیا إلى جانب أرمینیا وأذربیجان وجورجیا. هذا الاتفاق الجدید یوفر سیاقاً عالمیاً یجعل مبادرتنا الإقلیمیه لعام 2019 أکثر عملیه واستدامه. کما سیفتح فرصاً استثماریه فریده للقطاع الخاص فی الولایات المتحده ودول أخرى."
وأضاف المسؤول الإیرانی الأسبق:
"الرکیزه الثالثه، وهی الدبلوماسیه العالمیه، قد تکون الأکثر تحدیاً بالنسبه لإیران نظراً للإحباطات من التجارب السابقه. ومع ذلک، أؤمن إیماناً راسخاً بأن مصلحه إیران والمجتمع الدولی تکمن فی تجاوز تلک التجارب لصیاغه مستقبل مختلف. لعقود، ساهمت إیران بشکل کبیر فی استقرار العالم. وبصفتها عضواً مؤسساً فی الأمم المتحده، طرحت مبادرات تاریخیه: مقترح عام 1974 لإقامه منطقه خالیه من السلاح النووی فی الشرق الأوسط، مبادره "حوار الحضارات" عام 1997، وخطه العمل الشامله المشترکه (JCPOA) عام 2015. وللأسف، قوضت القوى الکبرى هذه الجهود باستمرار."
وأکد:
"قصه الاتفاق النووی (JCPOA) مثال رئیسی على الوعود غیر المنجزه للدبلوماسیه. أُنجز الاتفاق عام 2015 وحُیی عالمیاً کإنجاز دبلوماسی، لکنه تضرر بشده بعد ثلاث سنوات عندما قرر ترامب الانسحاب، ما ألحق ضرراً عمیقاً بالثقه فی الدبلوماسیه فی إیران. إلى جانب العقوبات الساحقه، فإن تفعیل أوروبا مؤخراً لآلیه تسویه نزاعات الاتفاق النووی، بالتزامن مع الهجمات الإسرائیلیه على منشآت إیرانیه، یُعد نفاقاً عمیقاً. فشلت أوروبا بشکل منهجی طوال سبع سنوات فی الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووی وقرارات مجلس الأمن. الصفقه الأساسیه ــ التطبیع الاقتصادی مقابل التزام نووی موثق ــ انهارت مع الانسحاب الأمیرکی، وأثبتت أوروبا عجزها أو عدم رغبتها حتى فی تنفیذ أبسط الآلیات الاقتصادیه مثل "إنستکس"."
وذکر ظریف:
"رداً على عدم التزام الولایات المتحده وأوروبا، فعّلت إیران قانونیاً إجراءات المعالجه الخاصه بالاتفاق النووی بین عامی 2017 و2021. وبدلاً من دعم الدبلوماسیه، أید الثلاثی الأوروبی الهجمات العسکریه الإسرائیلیه ضد إیران فی یونیو، مع تصریح المستشار الألمانی فریدریش میرتس بأن إسرائیل تقوم بـ"العمل القذر" نیابه عن الغرب. إن تأیید أوروبا للحرب، ثم لجوؤها إلى آلیه تسویه النزاعات الخاصه بالاتفاق النووی ــ لتحقیق نفس الأهداف التی فشلت الحرب فی تحقیقها ــ زاد من تآکل احترام إیران للدبلوماسیه. ومع هذا العبء التاریخی الثقیل، سیکون من الصعب إقناع الشعب والحکومه الإیرانیین بفاعلیه الدبلوماسیه. لکن الطریق البدیل ــ حروب لا تنتهی ــ سیؤدی حتماً إلى تفکک وتطرف واسع النطاق وفوضى تجتاح غرب آسیا وما بعدها، مع خطر جرّ الولایات المتحده والغرب إلى مستنقع تاریخی."
وختم بالقول:
"لا یمکننا تجاهل الماضی، ولا یجب أن نتوقف عن التعلم منه. لکن لا ینبغی أن نسمح لإخفاقات الماضی بأن تسجننا؛ وإلا فإننا نحکم على أنفسنا بتکرار الکوارث بلا نهایه. إن دعاه الحرب یستفیدون من إغلاق کل نافذه للدبلوماسیه. یجب أن نمنعهم من تلک الفرصه، حتى لا یتمکنوا من ترسیخ نموذج التهدیدات المدمّر وإطفاء الأمل. نحن نقف عند مفترق طرق. الخیار أمام إیران والمنطقه والقوى العالمیه واضح: إما الاستمرار فی الماضی الکارثی، أو التحلی بالشجاعه لبناء مستقبل مشترک. وقت تغییر النموذج هو الآن."
